للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الإمام التمرتاشي: والأشبه أن يكون الانفصال من المصر قدر غلوة (١)، فحينئذ يقصر (٢).

فإن قلت: يشكل على هذا كلّه جواز صلاة الجمعة والعيدين في هذه المواضع، وفي أبعد من هذه المواضع من المصر، فإنّها يجوز في فناء المصر، قال الإمام خواهر زاده (٣) وشمس الأئمة السرخسي: الصحيح أن الفناء مقدَّر بالغلوة، وقدّر بعضهم الفناء بفرسخين، وبعضهم بثلاثة فراسخ. ذكره في «المحيط» (٤).

ولا شك أنّ المصر شرط لجواز هذه الصلوات حتّى لا يجوز في القرى، فلما أعطيت هذه المواضع حكم المصر في حق صلاة الجمعة والعيدين، فكيف أُعطيت حكم غير المصر في حق القصر للمسافر؟

قلت: لأنّ فناء المصر إنما يلحق بالمصر فيما كان من حوائج أهل المصر، وصلاة الجمعة، والعيدين من حوائج أهل المصر، فأمّا قصر الصلاة، فليس من حوائج أهل المصر فلا يلحق الفناء بالمصر في حق هذا الحكم مع أنّ على قول بعض المشايخ لا يجوز الجمعة خارج المصر إذا كان ذلك الموضع منقطعًا عن العمران، وكان الفقيه أبو الليث -رحمه الله- (٥) يقول: بالجواز في فناء المصر، ذكره في فصل الجمعة، من «المحيط»، وفيه الأثر، وهو مأثور عن علي - رضي الله عنه - عنه، فإنّه خرج من البصرة يريد السفر فحان وقت العصر فأتّمها، ثم نظر إلى خصِّ أمامه، فقال: «أمّا [إنا] (٦) لو كنّا جاوزنا هذا الخصّ قصرنا» (٧). ذكره في «المحيط» (٨).


(١) الغلوة: رمية سهم أبعد ما يقدر عليه، وقيل: هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، وجمعها غلوات، أو هي جزء من خمسة وعشرين جزءًا من الفرسخ. ينظر: المصباح المنير: ٢/ ٤٥٢.
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٤.
(٣) محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن أبو بكر البخاري، الحنفي، المعروف بخواهر زاده. فقيه حنفي، نحوي كان شيخ الأحناف فيما وراء النهر. مولده ووفاته في بخارى، كان فاضلًا مائلًا إلى الحديث وأهله. سمع الكثير وكتبه بخطه، ولم يكن بمرو من يجري مجراه من أصحاب أبي حنيفة في الحديث وكتابته. من آثاره: "المبسوط"، و"شرح الجامع الكبير للشيباني"، و"شرح مختصر القدوري"، و"التجنيس" في الفقه. ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ٤٩، الفوائد البهية: ص ١٦٣، الأعلام للزركلي: ٦/ ١٠٠.
(٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٥.
(٥) نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة. ينظر: سير أعلام النبلاء: ١٦/ ٣٢٢، الجواهر المضية: ٢/ ١٩٦، الأعلام للزركلي: ٨/ ٢٧.
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار – مسند عمر» (٢/ ٩١٥ – رقم ١٢٩٥) من حديث أبي حرب.
(٨) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٥.