كتاب النهاية في شرح الهداية - السغناقي

كتاب الصلاة - باب صلاة المسافر - ج: 4 - ص: 47

ولنا في ذلك إجماع الصحابة، فإنّه روي عن سعد بن أبي وقاص (١): «أنّه أقام بقرية من قرى نيسابور (٢) شهرين وكان يقصر» (٣)، وكذلك علقمة بن قيس (٤) «أقام بخوارزم (٥) سنتين يقصر الصلاة» (٦)، وكذلك عن ابن عباس (٧) وابن عمر - رضي الله عنهما - (٨)، ولأنّه لو خرج خلف غريم له لم يصر مسافرًا ما لم ينو مدّة السفر وإن طاف جميع الدنيا، فكذا لا يصير مقيمًا ما لم ينو المكث أدنى مدة الإقامة، وإن طال مقامه اتفاقًا (٩)، وذلك لأنّ الإقامة ضدّ السّفر، فلما لم يثبت السّفر إلا بنيّة أدنى مدّة السفر، وإن وُجد منه حقيقة السّير وجب أن يكون في الإقامة كذلك، وما تعلّق بالمعنى، فهو دليلنا؛ لأنّه كان - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر عند عدم نيّة الإقامة، ولأنّا نقول: إن وجد ترك القياس في هذا القدر بالحديث وجب ترك القياس فيما وراه بإجماع الصّحابة على ما ذكرنا. كذا في «المبسوطين» (١٠).

---

(١) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب القرشي الزهري، أبو إسحاق: الصحابي الأمير، أسلم قديمًا وهو ابن ١٧ سنة، وشهد بدرًا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي سنة ٥٥ هـ. ينظر: التاريخ الكبير: ٤/ ٤٣، الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ٨٨، تهذيب الكمال: ١٠/ ٣٠٩.
(٢) من بلاد خراسان، وهو بلد واسع افتتحه عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة ثلاثين، وهي أرض سهلة ليس بها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم ماؤه، وهو فضل ماء هراة، وهي مدينة يكون قدرها قدر نصف مرو. ينظر: الروض المعطار: ص ٥٨٨.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢/ ٢٠٧ – ٨٢٠٠)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (٢/ ٥٣٥ - رقم ٤٣٥٠)، من حديث عبد الرحمن بن المسور.
(٤) علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمداني، أبو شبل: تابعي، كان فقيه العراق. يشبه ابن مسعود في هديه وسمته وفضله. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الحديث عن الصحابة، ورواه عنه كثيرون. وشهد صفين. وغزا خراسان. مات سنة إحدى وستين. ينظر: ثقات ابن حبان: ٥/ ٢٠٧، التاريخ الكبير: ٧/ ٤١، الإصابة في تمييز الصحابة: ٥/ ١٣٦.
(٥) من بلاد خراسان، وخوارزم اسم للكورة، وتسمى مدينتها الكبرى قيلًا بالقاف، فقيل: مدينة خوارزم، وتحيط بها المفاوز من كل جانب، وحدها يتصل بحدود الغزية مما يلي الشمال والمغرب، وحد جنوبها من شرقيها بلاد خراسان وما وراء النهر. (الروض المعطار: ص ٢٢٥).
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢/ ٢٠٨ – ٨٢١٠)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (٢/ ٥٣٦ – ٤٣٥٥)، من حديث إبراهيم.
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢/ ٢٠٧ – ٨١٩٩).
(٨) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٢/ ٥٣٣ – ٤٣٣٩).
(٩) في (ب): "أيضًا".
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٥.