للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خراساني قدم بغداد (١) وعزم على الإقامة بها خمسة عشر يومًا، ومكيّ قدم كوفة (٢) وعزم على الإقامة بكوفة خمسة عشر يومًا، ثم خرج كلّ واحد منهما من وطنه يريد قصر ابن هبيرة (٣) فإنّهما يصليان أربعًا في الطريق وبالقصر؛ لأنها كانا متوطنين أحدهما ببغداد والآخر بالكوفة؛ ولم يقصدا مسيرة مدة السّفر؛ لأنّ من بغداد إلى كوفة مسيرة أربع ليال؛ والقصر وهو النصف؛ فكان كلّ واحد منهما قاصدًا مسيرة ليلتين؛ وبهذا لا يصير مسافرًا، فإن عزما على الإقامة بالقصر خمسة عشر يومًا صار القصر وطن سفر، أي: وطن إقامة لهما وانتقض وطنهما بكوفة وبغداد بوطن مثله، فإن خرجا بعد ذلك يريدان الكوفة صليّا أربعًا في الطريق وبالكوفة؛ لأنّهما قصدا مسيرة ليلتين من في وطنهما، فإن دخلا كوفة، وعزما على الإقامة أقلّ من خمسة عشر يومًا، ثم خرجا من الكوفة يريدان بغداد، ويمران بالقصر صلّى كل واحد منهما أربعًا إلى القصر وبالقصر، ومن القصر إلى بغداد؛ لأنّ القصر صار وطن سفر لهما، ولم يوجد ما ينقضه من الوطن الأصلي، ووطن السّفر، ولو لم ينويا المرور على القصر يقصران كما خرجا من الكوفة؛ لأنهما نويا (٤) مسيرة سفر، فلو كانا حين قدما القصر في الابتداء عزما على الإقامة بالقصر أقلّ من خمسة عشر يومًا، ثم ذهبا إلى الكوفة ليقيما بها ليلة يصليان أربعًا إلى الكوفة، فلو خرجا من الكوفة يريدان بغداد يصليّان ركعتين، وإن مرا على القصر؛ لأنّ القصر كان وطن سكنى لهما، وقد انتقض ذلك بوطن سكنى مثله بالكوفة فهما رجلان خرجا من الكوفة يريدان بغداد، وليس لهما فيما بين ذلك وطن، ولو كان كلّ واحد منهما في الابتداء حين خرج من وطنه لم ينو القصر إنما نوى وطن صاحبه؛ ليلقى (٥) به صاحبه الخراساني نوى الكوفة والمكي نوى بغداد/ فالتقيا بالقصر يصليّان ركعتين؛ لأنّ كل واحد منهما قصد مسيرة [ثلاثة أيام] (٦)، فلو ذهبا إلى الكوفة يصليّان في الطريق ركعتين، وكذلك بالكوفة، أمّا الخراساني فلأنه ماض على سفره، وأمّا المكي فلأن الكوفة كان وطن سفر له، وقد انتقض ذلك بإنشاء السّفر، فعاد (٧) مسافرًا بسفره الأصلي، وكذلك لو خرجا من الكوفة يريدان بغداد يصليان ركعتين في الطريق، وببغداد لما ذكرنا، ثم تقدّم السفر ليس بشرط الثبوت الوطن الأصلي بالإجماع، وهل يشترط لثبوت وطن السّفر، لم يذكر محمد -رحمه الله- هذه المسألة في الأصل (٨).


(١) بغداد: وسط العراق، والمدينة العظمى التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها، سعه وكبرًا وعماره، وكثره مياه، وصحه هواء، ولأنه سكنها من أصناف الناس، وأهل الأمصار والكور، وانتقل إليها من جميع البلدان القاصيه والدانيه؛ وأثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم، فليس من أهل بلد إلا ولهم فيها محله، ومتجر ومتصرف. فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا. (معجم البلدان: ١/ ٤٥٦).
(٢) الكوفة: المدينة الكبرى بالعراق، والمصر الأعظم وقبة الإسلام، وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة أربع عشرة هجرية، وهي على معظم الفرات ومنه شرب أهلها، ومن بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخًا. (الروض المعطار: ص ٥٠١).
(٣) قصر ابن هبيرة: مدينة كبيرة على اثني عشر فرسخًا من بغداد لمن أخذ طريق الكوفة، وهي عامرة ذات أسواق وعمارات، وكانت أعمر البلاد التي في نواحي السواد، وأوفرها أموالًا، وأكثرها نفعًا، وهي على غلوة من الفرات. (الروض المعطار: ص ٤٧٥).
(٤) تصحيف في (ب): "يريا".
(٥) تصحيف في (ب): "ليلقن".
(٦) في (ب): "مدة السفر".
(٧) في (ب): "فصار".
(٨) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٠٦، ١٠٧.