للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٤١/ ب] وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصر الصلاة: «فرض لمسافر ركعتان من غير فصل» (١)، وقال في استكمال مدة المسح: «يمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام» (٢)، وأمّا الجواب عن تأويل الآية، فإن تأويلها فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد، أي: زائد على ما يُسدّ به رمقه، ويدفع ضرورته، فإنّ الله تعالى لا يؤاخذه بذلك، فيكون غير باغ صفة للأكل لا للمضطر، والدليل عليه: أن الغفران لا يليق/ بالاضطرار فإنّه في نفسه عذر لا ارتكاب محظور، والغفران في مقابلة ارتكاب محظور بعُذر، وذلك في الأكل عند الضرورة لا بمقابلة الاضطرار نفسه، ونظيره قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} (٣) أي: فحلق ففدية (٤)؛ لأن الكفارة لا تجب بالعذر، بل بالحلق بسبب العُذر (٥).

وأمّا الجواب عن المعنى: أن هذه رخصة علّقت (٦) بصيرورة الخُطى سفرًا لا بنفس الخُطى، فإن من طاف جميع الدنيا لا يقصد مكانًا يصلح للسّفر لا يصير مسافرًا، ثم علينا أن يتأمّل أن خُطاه صارت سفرًا بأيّ نيّة نيته الإغارة والبغي أم بنيته مكانًا عند الإغارة، فتأمّلنا فوجدنا أنّه صار مسافرًا عند نقل الخطى بقصده مكانًا عيّنه بعيدًا عنه؛ لأنه لو قصد ذلك [المكان] (٧) بلا قصد الإغارة صار مسافرًا، ولو قصد الإغارة بدون قصد مكان بعيد لم يصر مسافرًا، وإن طاف الدنيا بهذا القصد، فكانت خطاه معصيته، فلما وجد القصد أن في مسألتنا هذه جعلنا الخطى سفرًا بقصده المكان البعيد، وألغينا قصد الإغارة في جعل الخطى [سفرًا؛ لأنه لا تأثير فيه على ما بيّنا، فاعتبرنا قصد الإغارة في جعل الخطى] (٨) معصية لا في جعلها سفرًا لما بيّنا أن الخطى، وإن كثرت تحتمل الانفصال عن صفة السّفر، وكذلك إذا خرج للحج ينقلب الخُطى طاعة، ولا يصير سفرًا بالطّاعة، بل لقصده مكة لا غير، وكذلك في طرف المعصية، ولا يتغيّر أحكام السّفر بنية الطّاعة، وكان بمنزلة من غصب خفًّا، ولبس ترخص بالمسح؛ لأن المعصية في الغصب دون ما يسقط به غسل الرجل من استتارها بالخف، وكذلك يجوز الصّلاة في أرض مغصوبة؛ لأنّ الغصب ليس بالصلاة، وإن وجد مع الصلاة، بخلاف زوال العقل بالسُّكر؛ لأن السكر حدث من شربه، وشرب ما يسكره حرام، فلو قلنا: بعذره لسقوط الخطاب عنه يلزم إضافة العذر إلى الحرام؛ لأنّه هو العلة فيه بخلاف نيّة الإغارة، فإنّها لسيت بعلة للرخصة على ما بيّنا، وكذلك الخوف لحقه بسبب معصية في سفره لا بسفره، فلو قلنا بجواز صلاة الخوف في حقّه كانت المعصية هي المجوّزة لصلاة الخوف، وذلك لا يجوز، وكذلك ضرورة الجوع قط لا يقع بسبب بغيه، بل بالمكان القفر الخالي عن الطعام، ولا تأثير للبغي في جعل المكان قفرًا، ولا [في] (٩) إثارة الجوع. كذا في «الأسرار» (١٠).


(١) أخرجه مسلم في «صحيحه» (١/ ٤٧٩)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (٦٨٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه النسائي في «سننه» (١/ ٨٤)، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم، رقم (١٢٩). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: (١/ ٢٧٣): صحيح.
(٣) سورة البقرة من الآية: (١٩٦).
(٤) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٢/ ٣٨٣.
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٤٦، ٤٧، الجوهرة النيرة: ١/ ٨٨.
(٦) في (ب): "تعلقت".
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) ينظر: كشف الأسرار: ٤/ ٥٣٠ - ٥٣٢.