للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث جابر - رضي الله عنه - قال: «من تركها استخفافًا بها، وله إمام عادل أو جائر» (١) إلى آخره، وقد ذكرناه ألحق الوعيد الشديد بترك الجمعة بشرط أن يكون له إمام، والمراد به: السلطان؛ لأنه وصفه بالعدل، والجور؛ وذلك إنما يتحقق من السلطان، ولأنّ النّاس يتركون الجماعات لإقامة الجمعة، فلو لم يشترط فيها السلطان أدّى إلى الفتنة؛ لأنه يسبق بعض الناس إلى الجامع، فيقيمونها لعرض (٢) لهم، ويفوت على غيرهم، وفيه من الفتنة ما لا يخفى فيُجعل مفوّضًا إلى الإمام الذي، فُوّض إليه أحوال الناس، والعدل بينهم؛ لأنه أقرب إلى تسكين الفتنة، والاحتجاج بحديث علي - رضي الله عنه - لا يصح؛ لأنه يحتمل أنّه فعل ذلك بإذن عثمان - رضي الله عنه -، والمحتمل لا يصلح حجة، ولو فعل بغير إذنه إنّما فعل؛ لأن الناس اجتمعوا عليه، وعند ذلك يجوز؛ لأن الناس احتاجوا إلى إقامة الفرض فاعتبر إجماعهم.

(وقد يقع في غيره) (٣) أي: في غير أمر التقدّم، والتقديم من أداء من (٤) سبق إلى الجامع كما ذكرنا، ومن الأداء في أوّل الوقت، وآخره، ومن (٥) نصب الخطيب (٦).

قوله: (ومن شرائطها الوقت) (٧)، وهو وقت الظهر لما رُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بعث (٨) مصعب بن عمير - رضي الله عنه - (٩) إلى المدينة قبل هجرته قال له: «إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة» (١٠)، والذي روى: «أن ابن مسعود - رضي الله عنه - أقام الجمعة ضُحًى» (١١) معناه: بالقرب منه، ومقصود الراوي: أنّه ما أخّرها بعد الزّوال، وكان مالك -رحمه الله (١٢) - يقول: بجواز (١٣) إقامتها في وقت العصر بناء على مذهبه في تداخل الوقتين. كذا في «المبسوط» (١٤).


(١) أخرجه ابن ماجه في «سننه» (١/ ٣٤٣)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فرض الجمعة، رقم (١٠٨١). مرفوعًا، وقال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: ٣/ ٨١): ضعيف.
(٢) في (ب): "لفرض".
(٣) ينظر: الهداية شرح البداية: ٢/ ٨٢.
(٤) في (ب): "ما".
(٥) في (ب): "في".
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٤.
(٧) ينظر: الهداية شرح البداية: ٢/ ٨٢.
(٨) في (ب): "نصب".
(٩) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، القرشى، من بني عبد الدار: صحابي، شجاع، من السابقين إلى الاسلام. أسلم في مكة وكتم إسلامه، فعلم به أهله، فأوثقوه وحبسوه، فهرب مع من هاجر إلى الحبشة. شهد بدرا، وحمل اللواء يوم أحد، فاستشهد. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٣٦٨، الجرح والتعديل: ٨/ ٣٠٣، الإصابة في تمييز الصحابة: ٦/ ١٢٣.
(١٠) أخرجه أبو داود في «سننه» (١/ ٤٢٢)، كتاب الصلاة، باب في وقت الجمعة، رقم (١٠٨٦). من حديث أنس رضي الله عنه قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: ٣/ ٨٤): صحيح.
(١١) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١/ ٤٤٤ - رقم ٥١٣٤)، من حديث عبد الله بن سلمة، وقال الألباني في (إرواء الغليل: ٣/ ٦٢): صحيح.
(١٢) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، وشي به فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. وسأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف الموطأ. ينظر: تهذيب التهذيب: ١٠/ ٥، وفيات الأعيان: ١/ ٤٣٩، الأعلام للزركلي: ٥/ ٢٥٧.
(١٣) في (ب): "يجوز".
(١٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٤١.