للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن منًى من فناء مكة، فإنّه من الحرم، قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (١) سماه باسم الكعبة؛ [لكونه] (٢) تبعًا لها لما أنّ الهدايا، والضحايا لا تنحر بمكة، بل بمنًى دل ذلك على أنه في حكمها (٣)، وفي فنائها [يجوز] (٤)، وإقامة الجمعة كما تجوز في المصر تجوز في فنائه، أما عرفات فليست من فناء مكة، بل هي من الحل، وبينها وبين مكة أربعة فراسخ (٥).

والثاني: [أن] (٦) منًى يتمصّر في أيام الموسم لاجتماع شرائط المصر من السلطان، والقاضي، والأبنية، والأسواق، قيل: إن فيها ثلاث سكك إلا أنها لا تبقى مصرًا بعد انقضاء الموسم، وبقاؤها مصرًا بعد ذلك ليس بشرط؛ لأن الناس باشرهم على شرف الرحيل من دار الفناء إلى دار البقاء، أمّا عرفات فمفازة ليس فيها بناء فلا يأخذ حكم المصر، لكن يشترط أن يكون الإمام مقيمًا [مكيًّا] (٧) له ولاية على مكة نحو الخليفة، وهذا اللفظ دليل على أنّ الخليفة -أو السلطان- إذا كان يطوف في ولايته كان عليه الجمعة في كل مصر يكون في يوم الجمعة؛ لأن إقامة غيره بأمره تجوز فإقامته أولى، وإن كان مسافرًا كذا في «الفوائد» (٨)، و «الجامع الصغير»» لقاضي خان (٩).

وذكر في «المحيط» (١٠): ومن المشايخ من قال: إنّ عندهما إنما يجوز أداء الجمعة بها؛ لأنها من أفنية مكة، وهذا فاسد إلا على قول من يقدّر فناء المصر بفرسخين؛ لأن بين مكة ومنى فرسخين.

وقال محمد في الأصل: إذا نوى الإقامة بمكة ومنى خمسة عشر يومًا لا يصير مقيمًا، فعلم بهذا أنهما موضعان، إنما الصحيح ما قلنا: بأن منى يتمصّر في أيام الموسم (١١).

[١٤٣/ أ] قوله: (وعدم التعييد للتخفيف) (١٢) أي: لا/ يصلي فيه صلاة العيد بالاتفاق لا لعدم المصرية، بل لاشتغال الحاج بأعمال المناسك من الرمي، والذبح، والحلق في ذلك اليوم، فوضع عنهم صلاة العيد، بخلاف الجمعة؛ لأنه لا يتفق كل سنة يوم الجمعة في أيام الرمي بمنى بخلاف صلاة العيد؛ لأنها لو شرعت كانت في كل سنة، ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان، وهو الأمير أو القاضي، والمراد من السلطان الخليفة؛ لأنه أراد به الوالي الذي ليس فوقه والٍ، وهو الخليفة، وبدليل موضع النزاع (١٣)، فإنّه ذكر في «المحيط» (١٤)، وغيره: وهذا مذهبنا، وقال الشافعي -رحمه الله-: السلطان ليس بشرط حجته في ذلك ما روي: «أن عثمان - رضي الله عنه - حين كان محصورًا صلّى عليّ - رضي الله عنه - الجمعة بالناس» (١٥)، ولم يُرو أنه صلّى بأمر عثمان، ولأنّها مكتوبة كسائر الصلوات [المكتوبات] (١٦)، فلا يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوات، ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أربع إلى الولاة» (١٧) ذكر من جملتها الجمعة، والعيدين.


(١) سورة المائدة من الآية: (٩٥).
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٦/ ٣١٤، المحرر الوجيز: ٢/ ٢٨٠.
(٤) [ساقط] من (ب).
(٥) ينظر: تبيين الحقائق: ١/ ٢١٨.
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) في (ب): "أو من".
(٨) ينظر: مجمع الأنهر: ١/ ٢٤٨.
(٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٤.
(١٠) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٦.
(١١) ينظر: المرجع السابق.
(١٢) ينظر: الهداية شرح البداية: ٢/ ٨٢.
(١٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٤.
(١٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٨، ١٥٩.
(١٥) أخرجه ابن الملقن في «البدر المنير» (٤/ ٣٨٣).
(١٦) [ساقط] من (ب).
(١٧) ذكره الزيلعي في (نصب الراية: ٣/ ٣٢٦)، وقال: غريب، وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٥/ ٥٠٦ – ٢٨٤٣٨، ٢٨٤٣٩) حدثنا عبدة عن عاصم عن الحسن، قال: "أربعة إلى السلطان: الصلاة، والزكاة، والحدود، والقصاص"، انتهى. حدثنا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن محيريز، قال: "الجمعة، والحدود، والزكاة، والفيء إلى السلطان"، انتهى.