للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا جوثاء فهي مصر بالبحرين، وتسمية الراوي إياها بالقرية لا ينفي ما ذكرنا؛ لأن اسم القرية ينطلق على البلدة قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ} (١)، والمراد به: مكة (٢)، وكذلك في قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (٣)، (٤) ومعنى قول عمر: «حيث ما كنت» (٥) أي: ممّا هو مثل جوثاء من الأمصار، والحكم غير مقصور على المصلَّى، بل يجوز في جميع أفنية المصر (٦).

وفي «المحيط» (٧): اختلف الناس في تقدير فناء المصر فقدّره محمد في «النوادر» بالغلوة، وفارسيّته لك تقديرها.

وفي «المغرب» (٨): الغلوة قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة.

وقدّر أبو يوسف الفناء بميل أو ميلين، فإنّه روي عنه لو أنّ إمامًا خرج من المصر مع أهل المصر لحاجة له قدر ميل أو ميلين، فحضرته الجمعة، فصلّى بهم الجمعة أجزأه.

وهذا بخلاف المسافر، فإنّه إذا خرج عن عمران المصر يقصر الصلاة، ولم يلحق بناء المصر بالمصر في حقّه، وقد ذكرناه في باب المسافر، وقدّر بعضهم الفناء بمنتهى حدّ الصوت إذا صاح في المصر، أو أذّن مؤذّنهم، فمنتهى صوته فناء المصر (٩).

وقدّر شيخ الإسلام، وشمس الأئمة السرخسي -رحمهما الله- الفناء بالغلوة اتباعًا لما ذكره محمد -رحمه الله- في «النوادر»، ويجوز بمنًى إلى أن قال: أو كان الخليفة مسافرًا قيّد بكونه مسافرًا إمّا (١٠) للتنبيه على أنّه لو كان مقيمًا كان الجواز بالطريق الأولى، كما أن المسافر لا جمعة عليه، وإمّا لنفي الشبهة، وهي أنّ الخليفة إذا كان مسافرًا لا يقيم الجمعة كما [إذا] (١١) كان أمير الموسم مسافرًا، فذكره ليُعلم أن حكم الخليفة على خلاف أمير الموسم (١٢).

وفي «المحيط» (١٣): وإنما تجوز الجمعة بمنًى عندهما إذا كان ثمة أمير مكة، أو أمير الحجاز (١٤)، أو الخليفة أمّا أمير الموسم فإن استعمل على مكة يقيم الجمعة بمنًى عندهما أيضًا، وإن لم يستعمل على مكة إنما استعمل على الموسم لا غير، فإن كان من أهل مكة يقيم الجمعة بمنًى عندهما أيضًا، وإن لم يكن من أهل مكة لا يقيم الجمعة عندهما أيضًا، ولهما في ذلك طريقان:


(١) سورة محمد من الآية: (١٣).
(٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ١٦/ ٢٢٣.
(٣) سورة الشورى من الآية: (٧).
(٤) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ١٦/ ٦.
(٥) سبق تخريجه (ص ١٤٨).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٤٠.
(٧) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٤.
(٨) ينظر: المغرب في ترتيب المعرب: ٢/ ١١١.
(٩) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٥.
(١٠) [ساقط] من (ب).
(١١) [ساقط] من (ب).
(١٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٥.
(١٣) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٦.
(١٤) الحجاز: حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر، قاعدتها مكة، حرسها الله تعالى، لا يستوطنها مشرك ولا ذمي، كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهلية كل سنة، فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الأيام، ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا. (معجم البلدان: ٢/ ٢١٨).