للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سفيان الثوري (١): المصر الجامع ما يعده الناس مصرًا عن ذكر الأمصار [المطلقة] (٢) كبخارى أو سمرقند (٣)، فعلى هذا القول لا يجوز إقامة الجمعة بكرمنية، وكشانية (٤) (٥).

وقال بعض مشايخنا: أن يتمكن كل صانع أن يعيش بصنعته فيه، ولا يحتاج فيه إلى التحول إلى صنعة أخرى، ولكن ظاهر المذهب في بيان حدة ما ذكر في الكتاب أولًا، ثم في كل موضع وقع الشك في كونه مصرًا، وأقام ذلك الموضع ينبغي لأهل ذلك الموضع أن يصلّوا بعد الجمعة أربع ركعات، وينوون بها الظهر احتياطًا حتّى إنه لو لم تقع الجمعة موقعها يخرجون عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر بيقين، وهذا الذي ذكرنا من أن المصر من شرائط صلاة الجمعة مذهبنا، وقال الشافعي: المصر ليس بشرط، بل كلّ قرية يسكنها أربعون من الرجال الأحرار لا يظعنون عنها شتاء، ولا صيفًا يقام بهم الجمعة فيها؛ لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (٦)، [وأحسن ما قيل فيه: إنه إذا كان يوجد فيه حوائج الدين، وهو القاضي المفتي، والسلطان، ويوجد فيه عامة حوائج الدنيا، فهو مصر جامع، وإلا فلا.

[١٤٢/ ب] كذا قاله فخر الإسلام رحمه الله] (٧)، (٨) / من غير فصل، ولما رُوي أنّ أوّل جمعة جُمعت في الإسلام بعد المدينة [جُمعت] (٩) بجوثاء (١٠)، وهي قرية من قرى عامر بن عبد القيس بالبحرين (١١)، وكتب أبو هريرة إلى عمر رضي الله عنهما يسأله عن الجمعة بجوثاء، فكتب [إليه] (١٢) «أن جمّع بها، وحيث ما كنت» (١٣)، ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر جامع» (١٤)؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم حين فتحوا الأمصار والقُرى ما اشتغلوا بنصب المنابر، وبناء الجمع إلا في الأمصار والمدن، وذلك اتفاق منهم على أنّ المصر من شرائط الجمعة، والآية ليست بحجة؛ لأن المكان مضمر فيها بالإجماع حتى لا يجوز إقامة الجمعة في البوادي بالإجماع، فنحن نضمر المصر (١٥)، وهو يُضمر القرية، وتسميته جمعة يُرجح قولنا؛ لأنها جامعة للجماعات حتى [وجب] (١٦) نبذ الجماعات يوم الجمعة، وفي قرية يسكنها أربعون رجلًا لا يتصوّر جمع الجماعات، فإنّ جماعتهم واحدة (١٧).


(١) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم، فأبى وخرج من الكوفة، فسكن مكة والمدينة. ثم طلبه المهدي، فتوارى. وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيًا سنة ١٦١ هـ. له من الكتب: الجامع الكبير، والجامع الصغير. ينظر: ثقات ابن حبان: ٦/ ٤٠١، التاريخ الكبير: ٦/ ٤٠١، الجرح والتعديل: ٤/ ٢٢٢.
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) سمرقند: مدينة من خراسان، ويقال: إن شمر بن إفريقش غزا أرض الصغد حتى وصل إلى سمرقند فهدمها ثم ابتناها، ويقال: إنها بنيت أيام الإسكندر، وتولى ذلك شمر، فقيل: شمرقند، وعربت فقيل: سمرقند. ينظر: معجم البلدان: ٣/ ٢٤٦.
(٤) كَشَانية: بلدة بنواحي سمرقند شمالي وادي الصغد بينها وبين سمرقند اثنا عشر فرسخًا، قال: وهي قلب مدن الصغد، وأهلها أيسر من جميع مدن الصغد. ينظر: معجم البلدان: ٤/ ٤٦١.
(٥) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٣.
(٦) سورة الجمعة من الآية: (٩).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٥٢، الجوهرة النيرة: ١/ ٨٨.
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) جوثاء: بالفتح ثم السكون وثاء مثلثة وألف ممدودة موضع. (معجم البلدان: ٢/ ١٧٨).
(١١) البحرين: ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر، بها مغاص الدر، ودره أحسن الأنواع، وينتقل إليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين، يحمل الصدف بالدر بمجمع البحرين، ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه ها هنا، وإذا وصل قفل الصدف يهنيء الناس بعضهم بعضًا، وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة، ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه. (معجم البلدان: ١/ ٣٤٦).
(١٢) [ساقط] من (ب).
(١٣) أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (٤/ ٣٢٢ – رقم ٦٣٣٤)، قال الألباني في (السلسلة الضعيفة: ٢/ ٣١٧): لا أصل له.
(١٤) رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ١٧٩ – ٥٤٠٥)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (٣/ ١٦٨ – رقم ٥١٧٧). موقوفًا عن علي رضي الله عنه. قال ابن الملقن في (البدر المنير: ٤/ ٥٩١): لا يصح الاحتجاج به للانقطاع ولضعف إسناده، وقد ضعفه الإمام أحمد وآخرون.
(١٥) في (ب): "المضمر".
(١٦) [ساقط] من (أ).
(١٧) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥١، ١٥٢.