للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٥٤/ ب] وأمّا الحديث قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصًا بذلك لعظم حرمته ألا ترى أن الصحابة، قالوا: «[لا ندري] (١) كيف نغسله» (٢)، والنص الوارد في حقه بخلاف القياس لا يكون واردًا في حق غيره؛ لأنه ليس لغيره من الحرمة ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - (٣).

وقوله: (يطّلع على عورته) قلنا: ابتلينا بين أمرين بين أن نغسله في ثيابه حتى لا يطّلع على عورته غيره، وبين أن يجرّده فيقع الاحتراز عن نجاسته تصيبه من الثوب، والتجريد أولى؛ لأن صيانته عن النجاسة فرض، واطلاع الغاسل على عورة الميت مكروه، فكان مراعاة التطهير، وأنه فرض أولى من مراعاة الاطلاع على عورة الميت، وأنه مكروه، ولكن يلف الغاسل على يده خرقة، ويغسل السوءة؛ لأن مسّ العورة حرام كالنظر، فيجعل على يده خرقة؛ لتصير حائلة بينه وبين العورة، كما لو ماتت المرأة بين أجانب ييممها أجنبي بخرقة عند الضرورة. كذا في «فتاوى قاضي خان» (٤).

ولم يذكر محمد -رحمه الله- في الكتاب أنه هل يستنجي؟ وفي صلاة الأثر (٥) على قول أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله يستنجي، وعلى قول أبي يوسف -رحمه الله- لا يستنجي؛ لأن المسكة تزول، والمفاصل تسترخي بالموت، وربما يزداد الاسترخاء بالاستنجاء، فيخرج زيادة بنجاسة من باطنه، فلا يفيد الاستنجاء فائدته، فلا يشتغل (٦) به، وهما قالا موضع الاستنجاء من الميت، فلما تخلوا عن نجاسة حقيقية، فيجب إزالتها كما لو كانت النجاسة على موضع آخر من البدن، ووضوءه من غير مضمضة، واستنشاق، وهذا عندنا، وعند الشافعي -رحمه الله- يمضمض، ويستنشق؛ لأن هذا غسل بعد الموت، فيعتبر (٧) بالغسل الواجب حالة الحياة، وفي ذلك يمضمض، ويستنشق، فكذا هنا (٨)، واحتَّج أصحابنا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الميت يوضأ وضوءه للصلاة، ولا يمضمض، ولا يستنشق» (٩)، ولأنه يتغذّر إخراج الماء من فيِّه، فيكون سقيًا لا مضمضة، ولو كبُّوه على وجهه ربّما يخرج من جوفه ما هو شر منه، ومن العلماء من قال: يجعل الغاسل على أصبعه خرقة رقيقة، ويُدخل الأصبع في فمه، ويمسح بهما أسنانه، ولهاته، وشفتيه، وينقيها، ويدخل في منخريه أيضًا (١٠)، قال شمس الأئمة الحلواني -رحمه الله-: وعليه الناس اليوم فرق بين هذا وبين الوضوء في غسل الجنب من أربعة أوجه:


(١) [ساقط] من (ب).
(٢) سبق تخريجه بنفس الصفحة.
(٣) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٩٢.
(٤) ينظر: الجوهرة النيرة: ١/ ١٠٣.
(٥) في (ب): " الأذان ".
(٦) في (ب): " يغسل ".
(٧) في (ب): " فيصير ".
(٨) في (ب): " هذا ".
(٩) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢/ ٤٤٩ - ١٠٨٩٧) موقوفًا عن سعيد بن جبير.
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٠٧.