للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتج علماؤنا: بأنّ غسل الميت شرع للتنظيف، والماء الحار أبلغ في التنظيف، فيكون أفضل قياسًا على حالة الحياة، وأمّا قوله: (يزيد في الاسترخاء)، قلنا: لهذا سُنّ بالماء الحار؛ ليزيد الاسترخاء، فيخرج جميع ما يخرج كيلا ينجّس الأكفان، ثم قوله: (فإن لم يكن فالماء القراح) هذا الذي ذكره هنا من الترتيب يوافق روابة مبسوط شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- (١)، ويخالف «مبسوط شيخ الإسلام»، و «المحيط» (٢)؛ لأنه ذكر فيهما يغسل أولًا بالماء القراح، أي: الخالص، ثم بالماء الذي يطرح فيه السدر، وهو ورق البنت الذي يقال له: كنار، وفي الثالثة: يجعل الكافور في الماء، ويُغسل هكذا. روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنّه قال: «يبدأ أولًا بالماء القراح، ثم بالماء والسدر، ثم بالماء وشيء من الكافور» (٣)، وإنما يبدأ أولًا بالماء القراح حتى يبتل ما عليه من الدّرن والنجاسة، ثم بماء السّدر حتى يزول ما به من الدّرن والنجاسة، فإن السّدر أبلغ في التنظيف، ثم بماء الكافور تطييبًا لبدن الميت كذا فعلت الملائكة بآدم - صلى الله عليه وسلم - حين غسّلوه (٤)، ويغسل رأسه، ولحيته بالخطمي، وهو خطمي العراق، وهو مثل الصابون في التنظيف، وهذا إذا كان له شعر على رأسه؛ لأن الحي إذا اغتسل، وله شعر يفعل ذلك حتّى يصل الماء إلى سؤن شعره (٥).

(ويمسح بطنه مسحًا رفيقًا) (٦) فتح بالفاء من رفق به، وترفق تلطّف به من الرفق خلاف الخُرق، والعنف. كذا في «المغرب» (٧).

(تحرّزًا عن تلويث الكفن (٨) (٩)، وعلّل المسح في «المبسوط» (١٠) بقوله: حتّى إن [بقي به] (١١) عند المخرج شيء يسيل منه؛ كيلا يتلوّث أكفانه.

وفي «المحيط» (١٢): فإذا صُبّ الماء على الجانب الأيمن باضجاعه على الجانب الأيسر، وصُبّ الماء على الأيسر باضجاعه على الأيمن فقد غسل مرتين، ثم يقعده، ويسنده إلى نفسه، فيمسح بطنه مسحًا رقيقًا، فقد أمره بالمسح بعد الغسل مرتين، وأمره بالرفق حقًّا للميت، وروي عن أبي حنيفة -رحمه الله- في غير رواية الأصول: أنه قال: يُقعده أولًا، ويمسح بطنه، ثم يغسله؛ لأن المسح قبل الغسل أولى حتى يخرج ما في بطنه من النجاسة، فيقع الغسل ثلاثًا بعد خروج النجاسة.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠٦، ١٠٧.
(٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٩٦.
(٣) أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (١/ ٣٧٥) مرفوعًا.
(٤) سبق تخريجه (ص ٢٢٥).
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٠٨.
(٦) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٩.
(٧) (١/ ٣٣٩ - مادة "رفق").
(٨) في (ب): "أكفانه".
(٩) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٩.
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠٦.
(١١) في (ب): "يبقى له".
(١٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٩٧.