للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المحيط» أيضًا (١): إذا سُبي معه أبواه لم يصلّ عليه حتّى يقرّ بالإسلام، وهو يعقل [يعني: يعقل] (٢) صفة الإسلام، وصفته ما ذكر في حديث جبريل - صلى الله عليه وسلم -: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والقدر خيره، وشره من الله» (٣)، وهذا يدل على أنّ من قال: لا إله إلا اله لا يكون مسلمًا حتى يعلم صفة الإسلام، وكذا إذا اشترى جارية، واستوصفها صفة الإسلام فلم تعلم، فإنّها لا تكون مؤمنة.

وفي «الجامع الصغير» لأبي اليسر -رحمه الله- (٤): ثم أولاد المسلمين إذا ماتوا حال صغرهم قبل أن يعقلوا، ويكونون في الجنّة، فإنّ فيهم أحاديث كثيرة [أكثرها] (٥) من المشاهير، وبالأحاديث يتبين أنّهم قالوا على يوم أخذ الميثاق عن اعتقاد، وقد رووا عن أبي حنيفة -رحمه الله- التوقف [فيهم] (٦)، وهو مردود على الراوي، فإن محمدًا رحمه الله روى عن أبي حنيفة -رحمه الله- في «آثار أبي حنيفة» أن الذين يصلّون على جنازة أولاد المسلمين، وهم صغار يقولون بعد التكبيرة الثالثة: "اللهمّ اجعله لنا فرطًا، اللهم اجعله لنا ذخرًا، اللهمّ اجعله لنا شافعًا مشفعًا"، وهذا قضاء منه بإسلامهم، وأمّا أولاد الكفار إذا ماتوا قيل: يعقلوا اختلف فيه أهل السنة، والجماعة. روي عن محمد أنّه قال: إني أعرف أن الله لا يعذب أحدًا من غير ذنب، وبعضهم قالوا: يكونون في الجنة خدّامًا للمسلمين، وبعضهم قالوا: إن كان قال: بلى يوم أخذ الميثاق عن اعتقاد يكون في الجنة، وإن كان عن غير اعتقاد يكون في النار، وقد روي عن أبي حنيفة أنّه توقف فيهم، ووكّل أمرهم إلى الله تعالى، وإذا مات الكافر، وله ولي مسلم يغسله ذكر الولي مطلقًا، فيتناول كل قريب له من ذوي الأرحام مثل الأخ، والأخت، والعم، والعمّة، والخال، والخالة، وغيرهم، والإطلاق لفظ «الجامع الصغير».

[١٦٠/ أ] وذكر في الأصل: كافر مات وله ابن مسلم تولّى المسلم أمره من الغسل، والتكفين، والدّفن إذا لم يكن هناك من يتولى أمره، ويقوم به من المشركين من أقربائه، فإن كان ثمة أحد من أقربائه على ملّته حُلّى المسلم بينه، وبينهم؛ ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم بذلك أمر علي/ - رضي الله عنه - في حق أبيه، فإنّه لما مات أبو طالب جاء عليّ - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: يا رسول الله، إن عمك الضال قد مات، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «اغسله، وكفّنه، ووارّه، ولا تحدث به حدثًا حتى تلقاني» (٧) أي: لا تصلّ عليه، وسأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما أنّ أمي ماتت نصرانيّة، فقال: «اتبع جنازتها، وغسلها، وكفّنها، ولا تصلّ عليها، وادفنها» (٨)، (٩) ولأن هذه من جملة المصاحبة بالمعروف، والمبرة كيلا يتركه طعمة للسباع، والولد المسلم مندوب إلى برّ والديه، وإن كانا مشركين قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} (١٠)، والمراد به الوالدان المشركان بدليل قوله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} (١١) من الإحسان، والبر في حقّه القيام بغسله، ودفنه (١٢)، ولم يبين في [هذا] (١٣) الكتاب أنّ الابن المسلم إذا مات، وله أب كافر هل يمكّن أبوه الكافر من القيام بغسله وتجهيزه؟ وينبغي أن لا يُمكّن من ذلك، بل يفعله المسلمون.


(١) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٤٠، ٣٤١.
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» (١/ ١٩)، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، رقم (٥٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٤١.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) أخرجه أحمد في «مسنده» (١/ ١٣١ – رقم ١٠٩٣)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.
(٨) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٣٩٨ - رقم ٦٤٥٩).
(٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٣٢، ١٣٣.
(١٠) سورة العنكبوت من الآية: (٨).
(١١) سورة لقمان من الآية: (١٥).
(١٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ١٤/ ٦٣.
(١٣) [ساقط] من (ب).