للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(بكلامهم) (١) أي: بجراحاتهم الكلْم بسكون اللام الحراجة، والجمع كلام، وكلام يقال: كلمته كلمًا، وقراء بعضهم: {دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} (٢) أي: تجرحهم، ويسمهم. كذا في «الصحاح» (٣).

(وكذا خروج الدم من موضع غير معتاد) (٤)، والأصل فيه: أنّ الدم إذا خرج من بعض مخارقه نظر، فإن كان الدم يخرج من ذلك الموضع عادة من غير جرح في الباطن غسل، وذلك كالأنف، والدّبر، والذكر، فقد يبتلى بالرعاف، وقد يبول دمًا من شدة الفزع، وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن، فإن كان يخرج الدم من أذنه أو عينه لم يغسل؛ لأن الدم لا يخرج من هذين الموضعين عادة إلا بجرح في الباطن، والظاهر أنه ضُرب على رأسه حتّى خرج الدم من أذنه أو عينه، وإن كان يخرج من فمه فإن كان [ينزل من رأسه غسل، وخروجه من جانب الفم، ومن جانب الأنف سواء، وإن كان] (٥) يعلو من جوفه لم يغسل؛ لأن الدّم لا يعلو من الجوف إلا بجرح في الباطن، وإنما يعرف ذلك بلون الدم. كذا في «المبسوط» (٦).

[١٦٣/ أ] وقال الإمام التمرتاشي رحمه الله:/ النّازل من الرأس صاف، والمُرتقى من الجوف علق (٧).

قوله: (والشافعي يخالفنا في الصلاة) (٨) اختلف العلماء في حكم الشهيد على ثلاثة أقوال: قال علماؤنا: إنّه لا يغسل، ويصلّى عليه، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: يغسل، [ويصلّى] (٩)، وقال الشافعي: لا يُصلّى عليه، أما الحسن فقال: الغسل سُنة الموتى من بني آدم جاء في الحديث: «أن آدم صلوات الله عليه لما مات غسّلته الملائكة، [وصلّوا عليه] (١٠)، ثم قالت: هذه سنّة موتاكم يا بني آدم» (١١)، والشهيد ميت بأجله، ولأنّ الغسل شرع كرامة للميّت، والشهيد أحق بالكرامات، وإنما لم يغسل شهداء أُحُد؛ لأن الجراحات نشت في الصحابة في ذلك اليوم، وكان يشق عليهم حمل الماء من المدينة، وغسلهم، فعذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك، ولنا ما روي أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في شهداء أُحُد: «زمّلوهم بدمائهم، ولا تغسّلوهم، فإنّه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا وهو يأتي يوم القيامة، وأوداجه تشخب دمًا اللون لون الدم، والريح ريح المسك» (١٢)، وما [قاله] (١٣) الحسن من التأويل باطل، فإنّه لم يأمر بالتيمم، ولو كان ترك الغسل للتعذّر لأمر أن يتمموا كما لو تعذّر غسل الميت في زماننا لعدم الماء، ولأنّه لم يعذرهم في ترك الدّفن، وكانت المشقّة في حفر القبور للدّفن أظهر منه في الغسل، وكما لم يغسل شهداء أُحدٍ لم يغسل شهداء بدرٍ كما رواه عقبة بن عامر (١٤)، (١٥) وهذه الضرورة لم تكن يومئذ، وكذلك لم يغسل شهداء الخندق، وحُنين فظهر أنّ الشهيد لا يُغسل (١٦).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٢.
(٢) سورة النمل من الآية: (٨٢).
(٣) (٥/ ٢٠٢٣ - مادة "كلم").
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٢.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٩٣.
(٧) ينظر: الجوهرة النيرة: ١/ ١١١.
(٨) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٢.
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) [ساقط] من (ب).
(١١) سبق تخريجه (ص ٢٣٨).
(١٢) أخرجه أحمد في «مسنده» (٥/ ٤٣١ - رقم ٢٣٧٠٧) من حديث عبد الله بن ثعلبة، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وإسناده حسن.
(١٣) [ساقط] من (ب).
(١٤) عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني، رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحد من جمع القرآن، مات بمصر سنة ٥٨ هـ، له ٥٥ حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٢٨٠، التاريخ الكبير: ٦/ ٤٣٠، الإصابة في تمييز الصحابة: ٤/ ٥٢٠.
(١٥) رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (٣/ ٥٤٦ – ٦٦٥٢)، من حديث عطاء.
(١٦) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٨٨، ٨٩.