للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(والشافعي يخالفنا في الصلاة) (١) أي: قال الشافعي لا يصلّى على الشهيد؛ لحديث جابر: «أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صلّى على أَحد من شهداء أُحد» (٢)، ولأنّ الله تعالى وصف الشهداء بأنّهم أحياء فقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (٣)، والصلاة على الميت لا على الحي، ولأنّ الصلاة ما شرعت إلا بعد غسل الميت فإسقاط الغسل نصّ على إسقاط الصلاة كحي يسقط عنه خطاب الطهارة أصلًا يدلّ على سقوط خطاب الصّلاة عنه كالمرأة حال الحيض، وكالرجل حال الجنون، ولنا قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (٤)، ولم يفصل، وقال: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (٥)، أي: رحمة (٦)، والشهيد أولى بالرحمة من غيره، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «صلّوا على من قال: لا إله إلا الله» (٧)، وروى عبد الله ابن ثعلبة - رضي الله عنه - (٨): «أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الجنازة على شهداء أُحُد» (٩)، حتى روي: «أنّه صلّى على حمزة - رضي الله عنه - سبعين صلاة» (١٠)، (١١) وتأويله: أنّه كان موضوعًا بين يديه، فيؤتى بواحد واحد، فيصل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فظن الراوي أنّه يصلّى على حمزة في كلّ مرة، فقال: صلّى عليه سبعين صلاة، وحديث جابر ليس بقوي، وقيل: إنه كان يومئذ مشغولًا، فقد قتل أبوه، وأخوه، وخاله فرجع إلى المدينة؛ ليدبّر كيف يحملهم إلى المدينة؟ فلم يكن حاضرًا حين صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم، فلهذا روى ما روى، ومن شاهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى: أنّه - صلى الله عليه وسلم - صلى عليهم، ثم سمع جابر منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أن يُدفن القتلى في مصارعهم، فرجع فدفنهم فيها» (١٢)، أو يدع التمسك بالصلاة في شهداء أُحُد بالحديث؛ لأن الروايات قد تعارضت فيها، ونحتجّ بما ورد في شهداء بدر، فإنّ الروايات في حق الصّلاة على شهداء بدر لم تتعارض، فإنّ ابن عباس روى: «أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى عليهم» (١٣) أو ترجّح فيقول المصير إلى ما روينا أولى؛ لأنه إثبات، وما رواه نفي فيرجح الإثبات فيما سبيله سبيل الشهادة، والمعنى: أنّه ميّت مسلم طاهر، فيصلّى عليه قياسًا على المرتث، وسائر المسلمين إذا ماتوا، وإنّما قلنا: إنّه طاهر؛ لأن الشهادة طهارة شرعية، وكفارة عن كلّ ذنب، وهذا لمعنًى، وهو: أنّ الصلاة على الميت لإظهار كرامته، ولهذا اختصّ بها المسلمون، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصّلاة على المنافقين (١٤)، والشهيد أولى بما هو من أسباب الكرامة، والعبد، وإن تطّهر من الذنوب لا تبلغ درجته درجة الاستغناء عن الدعاء [له] (١٥)، ألا ترى أنّهم صلّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا إشكال أنّ درجته فوق درجة الشهيد (١٦). (١٧).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٢.
(٢) أخرجه أبو داود في «سننه» (٣/ ١٦٤)، كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل، رقم (٣١٣٧). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: ٧/ ١٣٥): حسن.
(٣) سورة آل عمران من الآية: (١٦٩).
(٤) سورة التوبة من الآية: (١٠٣).
(٥) سورة التوبة من الأية (١٠٣).
(٦) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٨/ ٢٣٥.
(٧) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٢/ ٤٤٧ – ١٣٦٥٦)، عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد: ٢/ ٦٧): فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب.
(٨) عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بنى زهرة، كنيته أبو محمد مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، ووجهه يوم الفتح، فكان أعلم الناس بالأنساب. مات سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وثمانون سنة وهم حلفاء بني زهرة. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٢٤٦، التاريخ الكبير: ٥/ ٣٥، الإصابة في تمييز الصحابة: ٤/ ٣١.
(٩) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٣/ ١٤٣ - ٢٩٣٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(١٠) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٤/ ١٢ – ٦٥٩٥)، من حديث أبي مالك الغفاري رضي الله عنه. وقال ابن الملقن في (البدر المنير: ٥/ ٢٤٩): لا يصح عنه عليه السلام أنه صلى على أحد من شهداء أحد، لا على حمزة ولا على غيره.
(١١) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٨٩، الجوهرة النيرة: ١/ ١١١.
(١٢) أخرجه النسائي في «سننه» (٤/ ٧٩)، كتاب الجنائز، باب أين يدفن الشهيد، رقم (٢٠٠٥). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: ٥/ ١٤٩): صحيح.
(١٣) رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (٣/ ٥٤٦ – ٦٦٥٢)، من حديث عطاء.
(١٤) أخرجه الترمذي في «سننه» (٥/ ٢٧٩)، كتاب تفسير القرآن، باب سورة التوبة، رقم (٣٠٩٨)، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن الترمذي: ٧/ ٩٨): صحيح.
(١٥) [ساقط] من (ب).
(١٦) في (ب): " الشهداء ".
(١٧) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٨٩، ٩٠.