للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن أبي يُوسُف -رحمه الله-: أنهما صِنْفٌ واحدٌ حتى] قال: فيمِن] (١) أوصى بثُلُثِ مالِهِ لفلانٍ، وللفقراءِ، والمساكينِ أنّ لفلانَ نصفُ الثُّلُثِ، وللفريقينِ نصفُ الثلثِ كأنهما صِنفَ واحدٌ، وقالَ أبو حنيفةَ -رحمه الله-: لفلانٍ ثلثُ الثلثِ فجعلهما صِنفين، وهو الصحيحُ كذا ذَكَره فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله- (٢)، ولِكُلٍ وجهٌ، أمّا وَجْهُ مَنْ قال بالأولِ، وهو أنّ المسكينَ أسوأُ حالًاِ من الفقيرِ، فقال: الفقيرُ هو الذي يمِلكُ شيئًا، ولا يُغنيهِ قالَ الراعي (٣):

أما الفقير الذي كانت حلوبته … وفق العيال فلم يترك له سَبَدُ (٤) (٥)

والمسكينُ مَنْ لا يمِلكُ شيئًا قال الله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (٦) أي: لاصِقًا بالتُرابِ مِنَ الجوعِ والعِرِىِّ، وأمّا وجهُ مَنْ قال بالثاني: وهو أنّ الفقيرَ أسوأُ حالًا مِنَ المسكينِ، فقال: المسكينُ مَنْ يملكُ مالًا يُعنيه، قال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (٧)، وقال القائل (٨):

هل لك من أجرٍ عظيم تُؤْجَرُه … تُغيث مسكيناً كثيراً عسكرُه

عشر شياه سمعه وبصرُه

والفقيرُ هو الذي لا يمِلكُ شيئًا، مُشتقٌ مِن انكسارِ فُقْار الظهر، والحديث يشهد لهذا، وهو ما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مِسْكينًا، واحشرني في زُمرةِ المساكينِ» (٩) (١٠) غير مُقَّدرٍ بالثمنِ خلافًا للشافعي -رحمه الله-، وقالَ الشَّافِعِي: يُعطيهم الثُمَن (١١)؛ لأَنّ القِسمةَ تقتضي المساواةَ في الأصل، فيكونُ بيانًا لحِصَتِهِ، وأنَّا نقولُ: بأنهُ يستحقُهُ عَمالةً، ألا ترى أنّ صاحبَ المالِ لو حَمَلَ الزَّكَاةَ إلى الإمامِ لم يستحقِ العاملُ شيئًا، فيتَقَدرُ بِقَدرِ العملِ، ولو هَلَكَ ما جمعوهُ قَبلَ أنْ يأخذوا منه شيئًا سقط حقُّهم؛ يعني لو مَلَك المالَ الذي في يدِ العاملِ سقط حقُّهُ، وأجزتْ الزَّكَاةُ عن المؤدين؛ لأنهُ بمنزلةِ الإمامِ في القبضِ أو أنهُ نائِبٌ عن الفقيرِ في القبضِ فإذاَ تمّ القبضُ سقطتْ الزَّكَاةُ لكنّ حِقّهُ وَجَبَ عمالةً، وذلك في معنى الأُجرةِ، وأَنهُ مُتعلقٌ بالمحَلِّ الذي عَمِلَ فيه فإذا مَلَكَ سقطَ حقّهُ كالمضُارِبِ إذا مَلَكَ مالَ المضُارَبةَ ِفي يدهِ بعد التصّرفِ، كذا في "المَبْسُوط"، و"الإيضاح" (١٢)، إِلاَّ أنّ فيه شبِهةُ الصدقةِ،] ولا (١٣) يأخذُهُ العاملُ الهاشمي (١٤) (١٥)، فذا جوابُ شُبهة تُردُّ على قولهِ؛ لأِنّ استخفافه بطريقِ الكفايةِ لا بطريقِ الصدقةِ، فيقولُ: إنّ ما يأخذُهُ العاملونَ، وإنْ كانَ] في الحقيقةِ (١٦) أُجرةً لعملهِم، ولكنْ فيه شُبهة الصدقةِ، بدليلِ سُقوطِ الزَّكَاةِ عن صَاحِبِ المالِ بأَخْذِهِ، فَنَزّهَ قرابةَ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- عن شُبهةِ الصدقةِ، وفي المنُتقى (١٧) رَجُلٌ مِن بني هاشم اسُتعْمِلَ على الصدقةِ،] وأخرى (١٨) له منها رِزقًا فإنه لا ينبغي أن يأخذ منِ ذلك، وإن عَمِلً فيها، وُرزِقَ منِ غيرِها، فلا بأسَ بذلك، كذا في "المحيط" (١٩).


(١) سقطت في (ب).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٦٢).
(٣) هو: أبو جندل، عبيد بن حصين النميري من كبار الشعراء، وإنما لقب بالراعي لكثرة ما يصف الإبل في شعره، امتدح عبدالملك بن مروان، وعاصر جريرا والفرزدق، وكان يفضل الفرزدق فهجاه جرير، (ت ٩٠ هـ).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (٤/ ٥٩٧)، الوافي بالوفيات (١٩/ ٢٨٣)، طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي (٢/ ٥٠٢).
(٤) يُنْظَر: لسان العرب (٥/ ٦٠).
(٥) السبد للشعر كاللبد للصوف، يقال له: سبد، يقال: ليس له سبد ولا لبد، أي: لا قليل ولا كثير. يُنْظَر: الصِّحَاح (٢/ ٤٨٣)، القاموس المحيط (١/ ٣٦٦).
(٦) سورة البلد الآية (١٦).
(٧) سورة الكهف الآية (٧٩).
(٨) يُنْظَر: لسان العرب (١٣/ ٢١١).
(٩) وان كان لعدم الشي ولاكن لايبلغ نصاباً "واما السفينه" ان السفينه كانت عاريه في ايديهم او بطريق الاجارة كذا في الجامع الصغير للقاضي كان غير مقدر بالثمن خلافا.
(١٠) أخرجه الترمذي باب أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم من حديث أنس -رضي الله عنه- (٤/ ٥٧٧) وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وأخرجه الْبَيْهَقِي في سننه باب الزهد وقصر الأمل من حديث أنس -رضي الله عنه- (٧/ ٣٤٠)، وقد صححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي (٤/ ٥٧٧).
(١١) يُنْظَر: الْحَاوِي (٨/ ٥٢٢)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٨٧).
(١٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٤)، بَدَائِعُ الصَّنَائع: (٢/ ٤٤).
(١٣) في (ب): (فلايأخذه).
(١٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٢).
(١٥) قال النووي في الْمَجْمُوع (١٥/ ٤٧٠): أما الهاشميون فهم بنو هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو، وسمى هاشما لهشمه الثريد أيام المجاعة ا. هـ.
(١٦) سقطت في (ب).
(١٧) كتاب المنتقى في الفقه الحنفي لمُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو الفضل المروزي السلمي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاض، ووزير، كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، ولى قضاء بخارى، (ت ٣٣٤ هـ)، جمع فيه مصنفه نوادر المذهب الحنفي، بعد مطالعته في ثلاثمائة جزء مؤلف، والكتاب مفقود حسب ما ذكر ذلك الغزي في الطبقات السنية. يُنْظَر: الطبقات السنية (١/ ٤٥)، كشف الظنون (٢/ ١٨٥١)، الفوائد البهية (ص ٣٠٥).
(١٨) في (ب): (وأجري).
(١٩) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٤٩٠).