للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذَكَرَ في "المصابيح" (١) وفي روايةٍ «وابنِ السبيل»، فإنْ قلتَ: قولُه: وفي سبيلِ الله مُكررٌ بأحدِ الفريقينَ، وهُما الفقراءُ، وابنُ السبيلِ، فإنهُ إنْ لم يكنْ في وطنِهِ مالٌ فهو، والفقيرُ سواءٌ، وإنْ كان في وطنهِ مالٌ فهو، وابنُ السبيل سواءٌ، فبأيِّ شيءٍ يمتازُ مَنْ هو في سبيلِ اللهِ عن هذين الفريقين؟ وحتى يُتِمَّ عدَد السبعةِ به.

قلتُ: هوُ فقيرٌ إِلاَّ أنُه ازدادَ فيه شيِء آخرَ سوِى الفقيرِ، وهو الانقطاعُ في عبادةِ اللهِ من جهادٍ أو حجٍ، فلذلكَ غايرَ الفقيرَ المطُلقَ الذي هُو خَاْلٍ عن هذا القيدِ، ولاشَكَّ أنَّ المقيدَّ غيرَ المطلقِ وظهَر أثرُ التغايرُ في حُكمْ ٍآخرَ أيضًا، وهو زيادةُ تحريصٍ، وترغيبٍ في رعايةِ جانبِه التي استُفيدَتْ مِن العدُولِ عن اللامِ إلى كَلِمِهِ فَّي وتكرارُها أيضًا على ما ذكرناِ مِن الكشَّافَ، فلما غايرهمُا لفظًا، وحُكْمًا لم ينتقضْ الصارفُ عن السبعةِ، ثُمَّ هؤلاءِ الأصنافُ مصارفُ الصدقاتِ، لا يستحقونَ لها عِنْدَنَا حتى يجوزُ الصرف إلى واحدٍ منهم وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (٢): هُمْ يستحقونَ لها حتى لا يجوزُ ما لم يصُرفْ إلى الأصنافِ السبعةِ من كُلِّ صنف ثلاثةُ، وهم واحدٌ وعشرون؛ لأِنّ الله تعالى أضافَ إليهم بلامِ التمليكِ، وقالَ -عليه الصلاة والسلام-: «إنّ الله تعالى لم يرضَ في الصدقاتِ بِقسمِة مَلِكٍ مُقَربٍ، ولا نبيِّ مُرسَلٍ حتى تولى قسمتَها مِن فَوقِ سبعةِ أَرْقِعَةٍ» (٣)، واعتبرَ أمرَ الشرْعِ بأمرِ العبادةِ، فإنّ مَنْ أوصى بثُلثِ مالهِ لهؤلاء الأصنافِ، لم يجزْ حُرمانُ بعضهِم، فكذلك في أمرِ الشرْعِ، ولنا قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (٤). وقال -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ -رضي الله عنه-: «خُذْهَا مِن أغنيائِهم (٥)، ورُدَّها في فقرائِهم» (٦) وبعثَ عُمر ِ -رضي الله عنه- بِصدَقةٍ إلى أهلِ بيتِ رَجُلٍ واحدٍ (٧)، وهكذا نُقِلَ عنِ ابنَ عباسٍ (٨)، وحُذيفةَ (٩) -رضي الله عنهما-؛ ولِأَنَّ المقصودَ إغناءُ المحتاجِ، وذلك حاصٍلُ بالصَّرْفِ إلى واحدٍ وبهِ فارقَ أوامرَ العباد؛ لأنّ المعُتبرَ فيها اللفظُ دُونَ المعنى، فقد تقعُ ضالتُه عن حِكْمَةٍ حميدةٍ بخِلافٍ أوامر الشَّرْعِ، فإنّ المعُتبرَ في أوامِر اللهِ تعالى المعنى، وفي أوامرِ العبدِ الاسمُ كَمَنْ قال لآخر: كَاِتْبْ عبدي إِنْ عَلِمْتَ فيهِ خيرًا، وكَاْتَبهُ، ولم يعلمْ فيهِ خيرًا لم يجْز، وفي أمرِ الله تعالى بالكتابةِ على هذا الشرطِ، ومع أنُه لو كَاتَبَ، ولم يَعلمْ فيه خيرًا جَازَ (١٠).


(١) يُنْظَر: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٦/ ٢٣٥).
(٢) يُنْظَر: الوسيط (٤/ ٥٦٣)، الْحَاوِي (٨/ ٤٤٣).
(٣) أخرجه أبو داود في سننه، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى (٢/ ٣٥)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (٢/ ١٢٤) وقال: إسناده ضعيف؛ لسوء حفظ عبدالرحمن بن زياد وهو الأفريقي، وبه أعله المنذري ا. هـ.
(٤) سورة البقرة الآية (٢٧١).
(٥) سقطت في (ب).
(٦) رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام حديث رقم (١٩).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٣)، الْمُغْنِي (٢/ ٥٢٨).
(٨) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٤٦)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٦٥).
(٩) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٤٦)، الْمُغْنِي (٢/ ٥٢٨).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٦، ١٧).