للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمّا الآيُة فقد قالَ ابنُ عباسٍ: المرادُ بيانُ المصارفِ (١) قال: أيُّها صَرَفَتْ أَجْزَاكَ كما أنّ الله تعالى أمرنا باستقبالِ الكعبةِ فيِ الصَّلَاةِ، فإذا استقبلْتَ جُزءًا مِنها كُنِتَ ممتثلًا للأجْرِ ألا ترى أنّ الله تعالى ذَكَر الأصنافَ بأِوْصَافٍ تُنبئُ عن الحاجةِ، فعرفنا أنَّ المقصودَ سد خُلَة المحتاجُ، فصاروا صِنفًا واحداً في التحقيقِ، واسُمَ الجمْعِ مُستعارٌ عن الجِنْسِ لمِا عُرِفَ بخلافِ الوصيةِ (٢)؛ لأنا ألفينا الأسماءَ في الواجبِ عليهِ صدقةٌ؛ لأَنّ ما تجبُ صدقةٌ يجبُ الإخراجُ إلى الله تعالى، ثُمَّ الصرفُ إلى الرِزقِ، حتى أنّ رجلًا لو نَذَرَ (٣) فقالَ: للهُ عليَّ أنْ أتصدقَ بمالٍ على الأصنافِ السبعةِ كانَ لهُ أنْ يُؤدِيْها إلى فقيرٍ واحدٍ؛ لأِنهُ التزم بلفظِ الصَّدَقَةِ فأمّا الوصيُّ فما ثَبَتَ لهُ وِلايةُ التصُّرفِ بِحُكْمٍ أنها صدقةٌ، بل بأمرِ الموُصِي بالصَّرْفِ إلى حيثُ سماهُ، وإنما سمىَّ سبعةَ أسماءٍ، فيجبُ الصرفُ على ذلك، كذا في "المَبْسُوط"، و"الْأَسْرَارِ"، و"الجامعِ الصغيرِ" للتمرتاتشي (٤).

(ولا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلى ذِميِّ) (٥)، وقال زُفَرُ -رحمه الله-: الإسلامُ ليسَ بشرطٍ في مَصْرفِ الزَّكَاةِ وغيرِها؛ لأنَّ اللهَ تعالى حيثُ ذَكَر الفقراءَ في الصدقاتِ، لم تقيدُ بِصفة الإسلامِ، فإثباتُ القيدِ يكونُ زيادةً فيجري مَجْرىَ النَّسخِ ألا ترى أنُه يجوزُ صَرْفُ الكَّفاراتِ إلى أهلِ الذِّمةِ، وهي واجبةٌ لما أنّ لله تعالى لم يقيْد المسكينَ بالإسلامِ، كذا في "الْأَسْرَارِ" (٦) (٧).


(١) يُنْظَر: أحكام القرآن للكيا الهراسي: (٤/ ٢٠٦)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٤٦)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٦٥).
(٢) الوصية في اللغة: الإيصال، مأخوذة من: وصيت الشئ إذا وصلته.
والوصية شرعاً: تبرّع بحق مضاف لما بعد الموت. وسمي هذا التبرع بالوصية، لأن المُوصي قد وصل به خير عُقْباه بخير دنياه. يُنْظَر: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشَّافِعِي (٥/ ٤١).
(٣) النذر لغة: الإيجا، تقول: نذرت كذا إذا أوجبته على نفسك، وشرعاً: إلزام مكلف مختار نفسه شيئاً لله تعالى. يُنْظَر: الفقه الميسر في ضوء الْكِتَاب والسنة (١/ ٣٩٢).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١٧).
(٥) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).
(٦) يُنْظَر: مجمع الأنهر: (١/ ٣٢٩).
(٧) اختلف الفقهاء في مسألة دفع الصدقة إلى غير المسلم، كصدقة الفطر، والنذر، وكالكفارات، فعند أبي حَنِيفَةَ: يجوز صرفها إلى الذمي.
وقال مالك والشَّافِعِي وأحمد، لا يجوز دفع الكفارات، وصدقة الفطر، والنذور إليهم، وإنما يجوز التطوع، وبه قال مالك والشَّافِعِي.
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٦١)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٢٧)، الْمَجْمُوع (٦/ ٢٢٨)، الْحَاوِي (٨/ ٤٧٠)، الإنصاف (٩/ ١٦٦).