للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«خُذْها مِن أغنيائِهم، وُرَّدها في فقرائِهم» (١)، أي: فقراءِ المسلمينَ لما أنّ ضميرَ فقرائِهم يرجعُ إلى ما يرجعُ/ إليه ضمُير أغنيائِهم، وإِلاَّ يختلُّ الكلامُ، وُيفَكُّ النَّظْمُ، ثُمَّ الإجماعُ يَنعقِدُ على أنّ ضميرَ الأغنياءِ مُنصَرِفٌ إلى أغنياءِ المسلمين؛ لأنّ الزَّكَاةَ لا تجبُ على الكافرِ، فكذا ضميرِ فقرائِهم كان راجعًا إلى فُقراءِ المسلمين فإنْ قلْتَ: هذا زيادةٌ على النَّصِّ بخبرِ الواحدِ، وذلك لا يجوزُ، كما قالَ زُفَرُ -رحمه الله- (٢).

قلتُ: نعمْ الأصلُ هكذا إِلاَّ أنّ هذا النَّص عامٌ، قد خّصَّ منُه البعضَ بالدليلِ القطْعِيِّ بالإجماعِ، فيخصُ الباقي بخبرِ الواحدِ كما هُوَ الأصْلُ؛ وذلك لأِنّ الفقيرَ الحربيَّ مخصوصٌ منه بقولهِ تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} (٣) الآية، وكذلك والدُه وولدهٌ، ومنكوحتُه مخصوصون بالإجماعِ، فيخصُّ الباقي بخبرِ الواحدِ مع أنَّ القاضيَ الإمامَ أبا زيدٍ -رحمه الله- ذَكَر في "الْأَسْرَارِ" (٤): أنّ هذا الحديثَ، حَديثٌ مشهورٌ، مَقبولٌ بالإجماعِ فزدْنا هذا الوصفَ به، كما زِدْنَا صفةَ التتابُع على صَوْمِ كفارةِ اليمينِ بقراءةِ ابنِ مسعودٍ، فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ متتابعاتٍ (٥)، فإن قلْتَ: جازَ أنْ يكونَ المرادُ منِ الحديثِ صدقةُ الفطْرِ، والكفارتِ حيثُ يجوزُ صرفُها إلى الذي عنَدنا.

قلتُ: ثبوتُ إرادةِ صدقةِ الفطرِ، والكفاراتِ منه بطريقين: أحدهُما: وجوبُ اتحِّادِ الضميرين على مَا ذكرتْ، فإنْ أخذَ صدقةَ الفطرِ، والكفاراتِ منِ أغنياءِ الكُفارِ لا يُتصوُر، فلمَّا لم يُردْ الكفارَ بالضميرِ الأولِ لم يُرِدْ بالثاني أيضًا.

والثاني: أنهُ ليسَ للسَّاعِي فيها وِلايةٌ الأَخْذِ، فكانَ الحديثٌ مُنصرِفًا إلى الزَّكَاةِ، إلى هذا أشارَ شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي -رحمه الله- (٦)، (ويَدفُع ما سِوى ذلك منِ الصدقةِ) (٧)، أيْ: إلى الذِّمِّي لا إلى الحربي، والمستأَمَنِ.


(١) سبق تخريجه ص (٢٠٦).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٤٤)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (١/ ٤٨٧).
(٣) سورة الممتحنة الآية (٩).
(٤) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَارِ (٢/ ٥٣٦).
(٥) أخرجه عنه عبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (٨/ ٥١٣)، والْبَيْهَقِي في سننه، باب التتابع في صوم التكفير (١٠/ ٦٠).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠١).
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).