للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال في "المَبْسُوط" (١): وفقراءُ المسلمينَ أحبُّ إليّ؛ لأِنهُ أبعدُ عن الخلافِ، ولأنهم يتقومُونَ على الطاعةِ، وعبادةِ الرحمنِ، والذِّمِّي يتَقَوى بهِ في طاعةِ الشيطانِ، تصدَّقُوا على أهلِ الأديانِ كُلهِّا إِلاَّ أنّ هذا الحديثَ مخصوصٌ في حقِّ الحربي، والمستأمنِ بقوله: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ} (٢) لقُلنا: بالجوازِ في الزَّكَاةِ لإطلاق قولِه تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ} (٣)، فإنَ اسمَ الفقيرِ لا يُفرّقُ بينَ المُسلمِ والكافرِ لانعدامِ التمليكِ، وهو الركنُ؛ وذلك لأِنّ الأصلَ في دفعِ الزَّكَاةِ تمليكُ فَقيرِ مسلَمٍ غيرِ بني هاشمٍ، ولا مولاهُ مع قَطْعِ منفعةِ المدفوعِ عن نفسهِ مقرونًا بالنيةِ جازَ ذَلك وإِلاَّ فلا وقيَّدناً بالتمليكِ احترازًا عن إطعامِ الطعامِ بَطريقِ الإباحةِ، فإنهُ لا يجوزُ وسائُرِ القيودِ ظاهرٌ يخرجَ عليه كثيٌر مِنَ المسائلِ، والدليلُ على أنّ التمليكَ لم يتحققْ في تكفينِ الميّتِ، أنَّ الذِّئْبَ لو أكل الميتَ يكونُ الكفنُ للمُكَفِنِ لا لِورثةِ الميتِ، والحِيلةُ في بِنَاءِ المسجدِ بمالِ الزَّكَاةِ، أو إعتاقٌ لعبدٍ، وغيرِه لَمِنْ أرادُ ذلك أنْ يتصدَّقَ مقدارَ زكاتهِ على فقيرٍ، ثُمَّ يأمرُهُ بعدَ ذلك بالصْرِف إلى مُدّةِ الوجوهِ، فيكونُ لِصاحبِ المالِ ثوابُ الصدقةِ، ولذلك الفقيرِ ثوابُ هذه القُرب. كذا في "المحيط" (٤)؛ (لأَنَّ قضاءَ دَيْنِ الغيرِ لا يقتضِي التمليكَ) (٥) منهُ بدليل أنّ الدائِنَ، والمديونَ إذا تصادقا على أنْ لا دَيْنِ بينهما، فللمُؤَدِي أنْ يِسْتَرِدَ المقبوضَ مِنَ القابضِ، فلم يصير هو مُلكًا للقابِضِ، وإنما قُيّدَ بقوله: (ولا يُقضي بها دَيْن ميتٍ) (٦)، فإنُه لو قضى بها دَينَ حيِّ بأمرِه فهو جائزٌ، ويقعُ عن الزَّكَاةِ لمِا ذُكِرَ أنهُ في شَرْح الطَّحَاوِيِّ، ولو قضى دَيْنَ حيٍّ، والمديونُ فقيرٌ، فإنْ قضى بغيرِ أمرِه يكون مُتبرعًا، ولا تجوز زكاةُ مالهٍ، ولو قضى بأمرِه جازَ كأنّه تصدّقَ على الغريمِ، فيكون القابِضُ كالوكيلِ لَهُ في قَبْضَ الصدقةِ (٧).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠١).
(٢) سورة الممتحنة الآية (٩).
(٣) سورة التوبة الآية (٦٠).
(٤) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٤٩٣).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٢).
(٦) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٦٨).