للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذَكَرَ الإمامُ الولوالجي (١) (٢): ولو أمرَ فقيرًا بقبضِ دَيْنٍ لهُ منِ زكاةِ ماله جازَ؛ لأنهُ قبض عينًا، والعُين يجوزُ عنِ العينِ والدَّين جميعًا، وأما لو تصّدقَ بمالهِ على الذي هُوَ لهُ عليهِ، وهو فقيرٌ جازَ عن ذلك الدَّينِ، ولم يجْز عن العينِ؛ لأِنّ في الوجهِ الأولِ أدّى الناقصَ عن الناقصِ وفي الوجهِ الثاني أدّى الناقصَ عن الكاملِ فلا يجوزُ.

(ولا يَدفعُ الزَّكَاةَ إلى أبيهِ وَجَدَهُ وإنْ عَلَا، ولا إلى وَلَدِهِ وإنْ سَفَل) (٣) وكذلك لا يجوزُ دَفْعُ عُشّرهِ، وسائرُ واجباتهِ إلى هؤلاءِ، ولا إلى مماليكهِ، وزوجتهِ بخلافِ الرِّكَاز إذا أصابَهُ، له أنْ يُعطي خمُسةُ مِن أصلِ الحاجةِ منهم؛ لأِنّ له أن يمُسِكَهُ لحاجةِ نفسهِ، وإنْ بِقَيَ [ولد] أم ولده لم يعطهِ/ وكذا إلى المخلوقِ مِنْ مَائِه بالزّنا، ولو تزوجتْ امرأةُ الغائبِ، فولدتْ، قال أبو حنيفة -رحمه الله-: الأولادُ مِنَ الأولِ ومع هذا يجوزُ لِلأَولِ دَفْعُ الزكاة إليهم، وتجوزُ شهادتهُم له، كذا ذَكَره الإمامُ التُّمُرْتَاشِي (٤).

والأصلُ: أنّ كُلَّ مِنْ يَنْسِبْ إلى المؤدِّي بالولادِ أو يُنسبْ إليه المؤدي بالولاد لا يجوزُ صرفُ الزَّكَاةِ إليهِ، أمّا مَنْ سِواهم مِن القَرابة فيتمَّ الإيتاءُ بالصرفِ إليهِ فيجوز، وهو أفضلُ لما فيه من صِلةٍ بالرحم، كذا في "المَبْسُوط" (٥)، رَجُل يَعُولُ أختَه، أو أخاه، أو عمَّهُ، فأرادَ أنُ يُعِطَيهُ الزَّكَاةَ فهذا على وجهين: إما أنْ لم يَفُرِضْ القاضِي النفقةَ عليهِ، أو فَرَضَ لزمانته (٦)، ففي الوجهِ الأولِ جازَ؛ لأَنّ التمليكَ منِ هؤلاءِ يتحققُ بصفةِ القُربة منِ كُلِّ وجهٍ، فيتحققُ رُكنُ الزَّكَاةِ، وفي الوجهِ الثاني: إنْ لم يحتسِبْ مَنْ نفعهم جازَ، وإن كانَ يحتسبُ لا يجوزُ؛ لأَنّ هذا أداءُ الواجبِ بالواجبِ الآخرِ، كذا في التجنيسِ (٧).


(١) هو: عبدالرشيد بن أبي حَنِيفَةَ نعمان بن عبدالرزاق بن عبدالله الولوالجي، ظهير الدين أبو الفتح، فقيه حنفي، قال أبو المظفر السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان إمامًا، فقيهًا فاضلًا، حنفي المذهب، حسن السيرة، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز مُحَمَّد بن علي، وعلي بن الحسن البرهان البلخي. من تصانيفه: "الفتاوى الولوالجية"، وكتب "الآمالي" عن جماعة من الشيوخ.
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٤١٧)، الفَوَائِد البهية (ص ٩٤، ١٢٢)، معجم المؤلفين (٥/ ٢٢٠).
(٢) يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (١/ ١٨٠).
(٣) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).
(٤) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٢٩).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١٩).
(٦) الزمانة تكون في ستة العمى وفقد اليدين أو الرجلين أو اليد والرجل من جانب والخرس والفلج. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٣/ ٦٢٨).
(٧) يُنْظَر: البحر الرائق: ٢/ ٢١٧.