للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يجوزُ دَفْعُ] الزَّكَاةِ (١) إلى مُعْتّدتِهِ المبتوتةِ (٢) روايةً واحدةً تعتدُّ عن بائِنٍ واحدٍ أو ثلاث.

واعلم: أنّ في شهادةِ أحدِ الزوجين لصِاحِبٍ يُعْتبرُ الزوجيةَ وقتَ الأداءِ، وفي الرجوعِ في الِهبةِ وقتَ الِهَبةِ، وفي الوصيةِ وَقْتَ الموتِ، وفي الحدُودِ يَعتِبرُ كُلَّ الطرفين حتى لو سرق مِن امرأتهِ، ثُمَّ أبانها، أو مِن أجنبيةٍ، ثُمَّ تزوّجَها ثُمَّ اختصما لم يقطَعْ (٣) كذا ذكره الإمام التُّمُرْتَاشِي، وله حقٌّ في كَسْبِ مُكاتبهِ حتى أنهُ لو تزوجَ جاريةً مُكاتِبةً لا يجوزُ، كما لو تزوجَ جاريةَ نفسهِ بخلافٍ بالوادي، زكاتُه إلى مُكاتِبٍ غَنَّيِ] فإنه يجوزُ؛ لأنّ ذلك منصوصٌ عليهِ مُطلقًا، قال الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} (٤)، كذا في "المَبْسُوط" (٥)(٦) وقالا: يدفُع إليه؛ لأنُه مديونُ عندهما، وعلى هذا التعليل يجبُ أنْ يصُورَ المسألة في عَبْدٍ بين اثنين، أعتقَ أحدَهما، نصيَبه حتى يتأتى هذا التعليل فأما إذا كانَ العبدُ كُلَّه لهُ فأعتقَ بعضَهُ فإنَّهُ حُرٌّ كُلهُّ بغير دَيْنٍ عندهما؛ لأنُه لا سِعايةَ عليه عندهما، فلذلك ذكر فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله- في "الجامع الصغيرِ"؛ لأنهُ حُرٌ كُلهُّ ُمِن غيرِ ذِكر الدَّيْنِ، وإنْ كانتْ نفقتُه عليهِ أنّ هذِهِ للوصْلِ بأنْ كان ذِميًّا، أو أعمى بخلاف امرأةِ الغنيِّ حيثُ يجوزُ دفعُ الزَّكَاةِ إليها (٧).

وقال شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي -رحمه الله- في "الجامع الصغير" (٨): ولو أعطى زوجةَ غَنيِ، وهي محتاجةٌ أجزأَهُ في ظاهرِ الرِواية (٩) وَروى أصحابُ "الأمالي" عن أبي يُوسُف -رحمه الله-: أنه لا يجزيه؛ لأنها مكفية المؤنةِ بما يستوجبُ مِن النفقةِ على الغِني حالتي اليَسرِ، والعُسرة فالصرفُ إليها بمنزلةِ الصرفِ إلى وَلَدِ صغيرٍ لغنيِّ. وجهُ ظاهرِ الرِوايةِ أنها تستوجبُ النفقةَ عليه، وبهِ لا يخرجُ مِن أنْ تكونَ فقيرةً عن الأجُرِة، فيجوزُ الصرف إليها فأما الولدُ الصغيرُ للغِني يستوجبُ النفقةَ عليه بالِجزيةِ، فكان الصرفُ إليه بمنزلةِ الصرفِ إلى الغني، ولا يدفعُ إلى بني هاشمٍ. رَوى أبو عصمة (١٠) عن أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله-: أنه يجوزُ دفعُ الزَّكَاةِ إلى الهاشمي، وإنما كان لا يجوزُ في ذلك الوقتِ، ويجوزُ النفلُ بالإجماعِ، وكذا يجوز النفلُ للغني (١١). كذا في فتاوى الْعَتَّابِيِّ (١٢).


(١) في (ب): (الصدقه) ولعل ما أثبته هو الصواب.
(٢) العدة شرعا تربص يلزم المرأة أو الرجل عند وجود سببه و بَتَّ الرجل طلاق امرأته فهي (مَبْتُوتَةٌ) والأصل مبتوت طلاقها إذا قطعها عن الرجعة، يُنْظَر: الدر المختار (٣/ ٥٠٢)، المصباح المنير (١/ ٣٥).
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق: (٢/ ٢٦٢).
(٤) سورة التوبة الآية (٦٠).
(٥) سقطت في (ب).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ٢٠).
(٧) يُنْظَر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: (٢/ ٤٠١).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٠).
(٩) المقصود من ظاهر الرواية هو ما روي عن الأئمة الثلاثة في المذهب أبي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف ومُحَمَّد في الكتب الستة لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ والتي تعارفوا على تسميتها بكتب ظاهر الرواية. يُنْظَر عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص ٤٧).
(١٠) هو: نوح بن أبي مريم، أبو عصمة المروزي، قاضي مرو. روى عن الاعمش وابن جريج وأبي حمزة السكري وبهز بن حكيم. روى عنه شعبة، وعبد الرحمن بن علقمة المروزي. قال أبو محمد: وروى عن حجاج بن أرطاة، وأبي حازم المديني وأبى إسحاق الهمداني، وسعيد الجريري.
(التاريخ الكبير: ٨/ ١١١)، و (الجرح والتعديل: ٨/ ٤٨٤)، و (تهذيب التهذيب: ١٠/ ٤٣٣).
(١١) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٧٣)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٧٢).
(١٢) جامع جوامع الفقه (بالفتاوى الْعَتَّابِيِّة) لأبي نصر أحمد بن مُحَمَّد الْعَتَّابِيِّ الحنفي المتوفى سنة ٥٨٦ ست وثمانين وخمسمائة وهو كبير في أربع مجلدات. يُنْظَر: أسماء الكتب (١/ ١٢٩)، الأَعْلَام (١/ ٢١٦)، كشف الظنون (١/ ٥٦٧).