للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُكْرَهُ أنْ يَدفَعَ إلى واحدٍ مائتي دِرْهَمٍ فصاعدًا، عِنْدَنَا يجوزُ ويُكُرهُ، وعند زُفَر (١): لا يجوزُ أصلًا، وعن أبي يُوسُف -رحمه الله- (٢): أنهُ لا بأسَ بإعطاءِ المائتين إليه، وإنمّا يْكَرُه أنْ يعطَيهُ فوقَ المائتينِ، قال بعضُ المتأخرين مِن مشايخنا: صورةُ المسألةِ فيما إذا لم يكنْ لهُ عِيالٌ، ولا دَيْنٌ عليه، فإنْ كُن عليه دَين، فلا بأسَ بأنْ يعُطيَهُ مائتين، أو أكثرَ مقدارَ ما إذا قضى بَرِدِّ دَيْنهِ يبقى له دُونَ المائتين، وكذلك إذا كان مَعِيلًا فلا بأسَ بأنْ يعُطيه مقدارَ ما لو وَزّعَهُ على عيِالِهِ أصابَ كُلّ واحدٍ منهم دونَ المائتين؛ لأنّ التصدقَ عليه في المعنى تَصَدّقٌ عليه، وعلى عيِالِهِ، كذا ذكر شمس الأئمة السَّرَخْسِي -رحمه الله- في "الجامع الصغير" (٣).

وكذلك ذَكَرَ هذه المسألةَ في "المَبْسُوط": (٤) يُقيده بهذين القيدينِ، فقال: ويُكْرَهُ أنْ يَعطِي رجلًا مِن الزَّكَاةِ مائتي دِرْهَم إذا لم يكنْ عليه دَيْن أو عِيالَ فوجْهُ قَولِ زُفَر ظاهرٌ: وهو أنّ الزَّكَاةَ تتمَّ بالأداءِ، والأخذِ معًا، ثُمَّ مُلْكُ المائتين منِ الدراهم مَانِعٌ مِن الأخذِ، فيجبُ أنْ يكون مانِعًا منِ الأداءِ، ولأنهُ يجبُ أنْ يتمَّ إعطاءه إلى الفقيرِ، وتمامُ الإعطاءِ باُلملْكِ له، وهو عند ذلك غني،] وكان إعطاء إلى غني (٥)، ووجْهُ قولِ أبي يُوسُف -رحمه الله- أنْ جَّزأ من المائتين مُستحِقُ بحاجتهِ للحالِ، والباقي دونَ المائتين، فلا تَثبُتُ به صفةُ الِغَني إِلاَّ أنْ يعطيهَ فوق المائتين.

(قلنا:) (٦) (إنّ الغِنيَّ حُكْمُ الأداءِ يتعقُبُه) (٧)، فإنْ قلتَ: هذا الذي ذكره ليسَ بمستقيمٍ على ما هو الأصحَّ مِن مذهبنا: وهو أنّ حُكْمَ الِعَلةِ الحقيقيةِ لا يجوزُ تَأَخُرهُ عنها، بل هما تقتربان كالاستطاعةِ مع] الفعل (٨) ذكره شمسُ الأئمة، وفَخْرُ الْإِسْلَام في فصل (يقسم) (٩) العلةُ من أصولِ الفقهِ، فما وجه ذِكْر التعقب هاهنا؟


(١) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٠٥)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٤٨).
(٢) المصدران السابقان.
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ٢٣).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ٢٣، ٢٤).
(٥) سقطت في (ب).
(٦) في (ب): (ولنا).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٨) سقطت في (ب).
(٩) في الأصل بقسم وفي (ب) (تقسيم).