للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله-: ولأصِحابِنا أنّ الأداءَ يلاقِي الفقرَ، وإنما يثُبتُ الغِنى بحكمهِ، وحُكْمُ الشيءِ لا يَصلُحُ مانعًا له؛ لِأَنّ المانعَ (١) ما سبقُه، لا ما لا يلحقه والجوازُ لا يحَتملُ البُطلانَ؛ لِأَنَّ البقاءَ يستغنى عن الفقرِ، (وإنْ تُغني به إنسانًا أحبُّ إليّ) (٢)، هذا خِطابٌ يخَاطِبُ به أبو حنيفةَ أبا يُوسُف -رحمه الله- وإنما صار هذا أحبَّ؛ لأنهَ يحصُلُ به الإغناءُ عن المسألةِ، وهو المأمورُ به، والسؤالُ ذِلُّ، وكان فيهِ صِيانةٌ للمُسلم عِنِ الوقوعِ في الذَّلِ، وأداءِ الزَّكَاةِ فكان أفضل لوجودِ المعنيين، ولهذا قلنا: إنّ مِنْ أرادَ أنْ يتصَّدقَ بدرِهم، فاشترى به فُلوسًا، ففرقها، فقد قَصَّرَ في أّمْرِ الصدقةِ (٣)، كذا ذَكَره شمسُ الأئمة (٤)، وفَخْرُ الْإِسْلَام في "الجامعِ الصغيرِ" (٥).

(ويُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ منِ بلدٍ إلى بلدٍ (٦)، وإنمّا تفرقُ صدقةُ كُلِّ فريقٍ فيهمْ) (٧). هذا ليس بمجَرى ظاهره، فإنَّ مُسلمًا لو دَخَلَ دارَ الحربِ بأمانٍ، ومَكَثَ فيها سنين، فعليهِ الزَّكَاةُ في مالهِ الذي خَلّفْ، وفيما استفادَ في دارِ الحربِ؛ لأنهُ مخُاطَبٌ بحكْمِ الإسلامِ حيثما يكونُ، ولكنه يَعني مَنْ عليهِ بالأداءِ إلى فُقراءِ المسلمينَ: الذين يسكنونَ في دارِ الإسلامِ بخلافِ ما إذا وجبتْ عليه الزَّكَاةُ في دارِ الإسلام، فإنُه يُؤْمَرُ بالدَّفعِ إلى أهلِ بلدةٍ، فأمّا في دارِ الحربِ فقلَّ ما يجدُ فقراءُ المسلمينَ، ولو وُجِدَ فالفقراءُ الذينَ يسكنونَ في دارِ الإسلامِ أفضلُ مِنَ الذينَ يسكنون في دارِ الحرب، كذا في نوادر زكاة "المَبْسُوط" (٨).

فإنْ قلتَ: (ما الفرقُ) (٩) بينَ هذه المسألةِ، وبينَ صدقةِ الفِطِر فإنّ هناك الاعتبارَ بمكانِ مَنْ يجبُ عليهِ في ظاهرِ الرِوايةِ، لا بمكانِ مَنْ وَجَبَ عنهم،] وهم الأولادُ الصغارُ، والعبيدُ، وهاهنا الاعتبارُ بمكانِ المالِ لا بمِكان مَنْ وَجَبَ عليه؟ (١٠).


(١) المانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته. يُنْظَر الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي (١/ ٢٠٦).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٧٩).
(٤) زياده في (ب): (السَّرَخْسِي).
(٥) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٦٩)، حاشية الطحاوي (١/ ٤٧٤).
(٦) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٦٦).
(٩) سقطت في (ب).
(١٠) سقطت في (ب).