للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: لما أنّ الوجوبَ في صدقةِ الفِطْرِ على المولى في ذِمته، ورأسُ المماليكِ في حقِّهِ كرأسهِ؛ لأنَّ الأصلَ أنّ وجوبَ صدقةِ فِطْرِه نَفسهِ على نفسِهِ لوجودِ مُؤَنتِهِ، وولايتهِ على نفسهِ، ثُمَّ يُلحقا بهِ مَنْ هو في معنى نفسهِ في هذين الوصفين، فكما أنّ في أداءِ صدقةِ فِطْرِه عن نفسهِ يَعتِبُر موضعه فكذلك عن مماليكهِ؛ لأنهم في معنى نفسهِ وأمّا هاهنا الواجبُ جزءٌ مَن المالِ حتى تسقطَ الزَّكَاةُ بهلاكِ المالِ، فيعَتِبرُ بمكان المالِ لذلك، وهناكَ لا تَسقطُ الفِطرةُ بهلاكِ المماليكِ بعد الوجوبِ على المولى، فَاعْتُبِرَ بمكان المولى، لذلك أشارَ إلى هذا في "المَبْسُوط" (١)، وفيه رعايةُ حقِّ الجِوار، ومهما كانتْ المجاورةُ أقربُ كانتْ (رعايتها) (٢) أوجبَ لقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أَدْناكَ أدناكَ» (٣)، ولمّا سأَلهُ رَجُلٌ، وقال: إنّ له جارين فإلى أيِّهما أَمُرّ؟ فقالَ: «إلى أقربِهم منكَ بابًا» (٤)، ولو نقل إلى غيرِهم أجزأُهُ، وللشافعي -رحمه الله- (٥) قولٌ: (إنه) (٦) لا يجوزُ لحديثِ مُعاذ -رضي الله عنه-، «مَنْ نقَل عشرةً، وصدقتهٌ مِن مخلاف عشيرتِه إلى غيرِ مخلاف عشيرته فعشرةٌ وصدقُته إلى مخلاف عشيرته» (٧) أي: مردودةٌ عليهم، ولنا ظاهُر قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (٨)، وتخصيصُ فقرِ البلدةِ ليس بمعنى في أعيانهم فلا يمنعُ الجوازَ إذا صُرِفَ إلى غيرِهم؛ لأنَّ ما هُوَ المقصوُد، وهو سدَّ الخلةِ قد حصل وحديثُ معاذُ محُمولٌ على بيانِ الأَولى.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٩١).
(٢) في (أ) (ريحانيها) وفي (ب): (رعايتها) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(٣) رَوَاهُ مسلم في صحيحه (٢٥٤٨)، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به. من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٤) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في الأدب المفرد (١٠٧ - ١/ ٥١)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٥) وللشافعي في المسألة قولين بالجواز وعدمه، والأصح حرمة النقل وعدم الإجزاء. يُنْظَر الْحَاوِي (٨/ ٤٨٢)، الوسيط (٤/ ٥٧١).
(٦) سقطت في (ب).
(٧) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (١٣٥١٩ - ٧/ ٩) بلفظ (أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قضى أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته) وقال الألباني في تمام المنة (ص ٣٨٥): هذا منقطع بين طاوس ومعاذ فإنه لم يسمع منه.
(٨) سورة التوبة الآية (٦٠).