للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: (لِعَدمِ القَطْع) (١) تعريضٌ لمذهب الشَّافِعِي -رحمه الله- (٢) أي: هذا خبرٌ واحدٌ ليس بدليلِ مقطوع بِه حتى يثُبتَ الغرضُ، كما هو مذهبُ الشَّافِعِي -رحمه الله-، وشَرْطُ الحريةِ بلفظِ الماضيِ لِيقَعَ قُرْبَةً (٣)، ولقولهِ -عليه الصلاة والسلام- في زكاةِ الفطرِ: «طُهرةٌ للصائمين من اللغوِ والرَّفَثِ» (٤)، وقالَ عُمر -رضي الله عنه-: «الصومُ محَبوسٌ بيَن السماءِ والأرضِ حتى تُؤدَّى زكاةُ الفِطْرِ لا صدقةً إِلاَّ عن ظَهْرِ غِنَى» (٥) أي: صادرةً عن غنى، فالطَّهرُ فيه مُقْحَمٌ كما في طُهْر القلبِ، كذا في "المُغْرِب" (٦).

وقالَ الشَّافِعِي -رحمه الله-: (يجبُ على الفقير إذا كانتْ له زيادةٌ على قُوتِ يومهِ) (٧) (٨)؛ لأنهُ ذُكِرَ في آخرِ حديثِ (ابن) (٩) عُمَرَ غنيٌ أو فقيرٌ (١٠) ولأنّهُ وَجَبَ طُهْرةً للصائِم فاستوى فيه الغني، والفقيرُ، ولنا الحديثُ المذكور في الكتابِ (١١)، ولِأَنَّ الفقيَر مَحَلٌّ للصْرفِ إليه، فلا يجبُ عليه الأداءُ كالذي لا َيملكُ إِلاَّ قوتَ يومهِ، وهذا لأنّ الشرْعَ لا يَرِدُ بما لا يُفيدُ، فلو قلنا: بأنهُ يأخذُ مِن غيرهِ، ويُؤَدِّي بنفسهِ، كان اشتغالًا بما لا يُفِيدُ، وحديثُ ابنُ عُمَر -رضي الله عنه- محَمولٌ على ما كانَ في الابتداءِ، ثُمَّ نُسِخَ بقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «إنّما الصدقُة ما كانَ عن ظَهْرِ غِنىً» (١٢) أو هو محُمولٌ على النَدْبِ، فإنهُ قالَ في آخره: «أمّا غنيُكُم فُيزكِيهِ اللهُ تُعالى، وأمّا فقيرُكُم فيعطيهِ اللهُ تعالى أفضلَ مما أُعْطِيَ» (١٣)، كذا في "المَبْسُوط"، و"الإيضاح" (١٤). فإنْ قلتَ على قولِه، ولِأَنَّ الفقيرَ محُلٌّ للصرفِ إليه فلا يجب عليه الأداءُ بِرَدِّ الكفاراتِ، فإنهُ يعتبرُ فيها بيسرِ الأداءِ دُونَ الغِنى مع (أنه) (١٥) محلٌّ لصرفِ الكفاراتِ إليه، ولم يقلْ فيه: إنهُ اشتغَل بما لا يُفيدُ.


(١) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٢) يُنْظَر: الأم (٧/ ١١٢).
(٣) يُنْظَر: الهِدَايَة شرح البداية: ١/ ١١٥.
(٤) رَوَاهُ أبو داود في سننه (١٦١١)، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر. وابن ماجه في سننه (١٨٢٧)، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر. من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. قال الألباني في مشكاة المصابيح (١/ ٤٠٩): صحيح.
(٥) أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (٨٢٤ - ٢/ ٤٩٩)، وقال: لا يصح، فيه مُحَمَّد بن عبيد مجهول.
(٦) يُنْظَر (٢/ ٣٦).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٨) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٤٩)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٠٣).
(٩) زياده في ب.
(١٠) سبق تخريجه من رواية عبدالله بن ثعلبة.
(١١) الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (٣٩/ ٦٧)، من حديث عبدالله بن ثعلبة -رضي الله عنه-، والدَّارقُطنيّ في سننه (٢/ ١٥٠)، كتاب زكاة الفطر من حديثه أيضا. قال: خطبنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: (أدّوا عن كل حر، وعبد، صغيراً، أو كبيراً، نصف صاع من بر).
(١٢) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إِلاَّ عن ظهر غنى (١٣٦٠). من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(١٣) رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من قمح (١٦٢١). من حديث ثعلبة بن أبي صعير -رضي الله عنه-. قال الألباني في الجامع الصغير (ص ٧٩١): ضعيف.
(١٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١٨٤).
(١٥) سقطت في (ب).