للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: بينهما فرقٌ؛ وذلك لِأنّ] الكفارةَ (١) شُرِعَتْ تطهيرًا عن الإثُمَّ مقصودًا مِنْ غَيرِ أنْ يُقصَدَ فيها الإغناءُ حتى أنها تتأدَّى بالصومِ، والإعتاقِ، فعنَد الاجتماع صورةٌ إذا كانَ ما لا يجبُ اعتبارُه على الانفصالِ، وأما الزَّكَاةُ فإنّ الفقيرَ ما استَحَقَّ الصدَقةَ إِلاَّ برزقِهِ مِن اللهِ تعالى، وما أَمْرُ اللهِ تعالى بإخراجِ المالِ صدقةً إِلاَّ رْزِقًا للمحتاجين، فَمَنْ تحَلُّ لهمْ شَرعًا؟ فإذا كانَ الرجلُ مِمنْ يحِلُّ له الرزقُ بهذا الطريقِ لم يجْز أنْ يكوَن أهلًا للوُجوبِ عليهِ، فيفوتُ عنه حِكْمةُ الأغنياءِ بإعطاءِ الرزقِ إذا أَخَذَ خمسَهُ رِزقًا، ثُمَّ أعطى الخمسَة رِزْقًا بمثله (٢). كذا في "الْأَسْرَارِ" (٣).

(ولا يُشَترطُ فيهِ النمُو) (٤)؛ لأَنّ اشتراطَهُ لليُسرِ، والسهولةِ، ولا يُعتبرُ اليُسر هاهنا حَسْبَ اعتبارِه في الزَّكَاةِ بدليلِ بقاءِ الواجبِ بعدَ هلاكِ النصابِ، ووجوبُهُ برأس الحُرِّ؛ وذلك لأنّ سببَ هذا رأسُ يمونه ويلى عليهِ، وهو يستدعِ زيادةُ الضيقِ لا اليُسرِ، واشتراطُ الغِنى هاهنا مع ذلك لا للِيُسر، بلْ ليكونَ المأمورُ به أصلًا للأغنياءِ بخلافِ الزَّكَاةِ، فإنّ سببهَا المالُ، والواجِبُ فيه القليَلُ عن الكثيرِ على وجهٍ لا يُؤدِّي وجوبَها إلى الإجحافِ، والاستئصالِ حتى أنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ يمنعُ وجوبَ الزَّكَاةِ إذا كان الدَّيْنُ يُنْقِصُ النّصِابَ، فلذلك رُوْعيَتْ فيه غايةُ السهولةِ لَهُ فاشتَرطَ النمَّو، ويتعلقَّ بهذا النصابِ حْرِمانُ الصدقةِ (٥).

فالحاصِلُ: أنّ النِّصابَ على أنواعِ ثلاثةٍ: نِصابٌ يجبُ] به (٦) الزَّكَاةُ، وسِائرُ الأحكامِ المتعلقةِ بالمالِ، وهو ما ذكرنا أنّ تَملُكَ الحِجرين (٧) بالقَدْرِ الذيْ ذَكَره خاليًا عنِ الحاجةِ الأصليةِ، وأعني بالحاجةِ الأصلية في حقَّهما: الدَّينُ المشغولُ به، أو يَملِكُ غيرَهُما مِنَ العُروضِ المُعدَّةِ للتجارةِ الحاليةِ عن الحاجةِ الأصليةِ، وهي تُساوي نِصابَ الحجِرين قيمةً ونصابٌ يجبٌ الأحكامَ الأربعةَ، وهذهِ الثلاثةَ المذكورةَ، وهي: حِرمانُ الصدقةِ، ووجوبُ الأُضحيةِ،] والفِطْرِ (٨)، والرابع: وُجوبُ نفقةِ الأقاربِ، ولا يُشترطُ فيه النمُّو بالتجارةِ أو بالحْولِِ لما ذكرنا، ونِصابُ تثُبتُ بهِ حُرمةُ السؤالِ، وهو مَنْ كانَ عِنَدُه قُوتُ يومٍ عنَد البعضِ، وقالَ بعضُهم: لا يحِلُ السؤالُ لمِنْ كان كَسُوبًا، أو يَمِلكُ خمسيَن دِرهمًا، وقد ذكرناه.


(١) في (ب): (الكفارات)
(٢) يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق (٤/ ١٠٩).
(٣) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَارِ (١/ ٣٠٦)
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٨٣، ٢٨٤).
(٦) في (ب): (فيه).
(٧) الحَجَرانِ الذهب والفضة يُنْظَر: تاج العروس (١٠/ ٥٣٨)، مختار الصِّحَاح (ص: ١٦٧).
(٨) سقطت في (ب).