للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولهذا يتعّددُ بتَعّددِ الرأسِ مع اتحادِ اليومِ) (١)، عُلِمَ أنّ الرأسَ هو السببُ دونَ/ الوقتِ فإنْ قلتَ: مِثَل هذا التعُّددِ، والاتحادِ يُوجدُ في طَرَفِ الوقتِ أيضًا بعينهِ حيثُ يتعددُ بتعددِ الوقتِ، وهو تكررٌ للسنةِ الثانيةِ، والثالثةِ مع اتحادِ الرأسِ، فلو كانَ الرأسُ هو السببُ لما تعدّد الواجبُ في السنةِ الثانيةِ لا (تحال) (٢) الرأسِ كما في الحجِّ حيثُ لا يتعددُ؛ لأنَّ السبب، وهو البيتُ واحِدٌ (٣).

قلتُ: تَكَرُر الوجوبِ هاهنا يتكررُ الفِطْرِ مع اتحادِ الرأسِ بمنزلةِ تكررِ وجوبِ الزَّكَاةِ يتكررُ الحولُ في المالِ الواحدِ، وذلك لأنّ وصفَ صدقَةِ الِفطْرِ بأنها مُؤنةٌ تُرجِحُ الرأسَ في كونهِ سببًا؛ لأنّ المؤنةَ عبارةٌ عن الفوتِ، يُقالُ مائةٌ أيْ فإنهُ وهو يتعلقَّ بالرأسِ، ولِأَنَّ مؤنةَ الشيءِ سببٌ لبقاءِ ذلك الشيءِ، وذلك يتُصورُ في الرأسِ دُونَ الزمانِ الذي لا يمُكنُ لأحدِ إيفاؤُه،] ولِأَنَّ التسبيب (٤) لبقائَه ليس إِلاَّ لخالقِ الزمانِ فهُوَ الموُجدُ، والمبِقي، والمحدثُ، والمغِني في كُلُّ أوانٍ غيرَ أنّ اعتبارَ تجددِ المؤنةِ في كُلِّ ساعةٍ لإيجابِ صدقةِ الفِطْرِ يُؤدِّي إلى الإجحافِ، فوجبَ أنْ يعُتبرَ (التجددُ التقديري هاهنا بالتجددِ التقديري) (٥) في موضعِ آخرَ مِنَ الوظائفِ الماليةِ، فوجدنا ذلك في الزَّكَاةِ فألحقناها بها، وإنما جعلنا المؤنةَ وصفُ السببية استدلالًا بقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أدُّوا عَمَّنْ تمونون» (٦) لما عُرف، (ومماليكُه) (٧)، أي: ومماليكَه معطوف على قولهِ:] كأولادهِ (٨) الصغارِ، ثُمَّ في اسمِ المماليك: القنّ (٩)، والمدبرُ (١٠)، وأمُّ الولدِ (١١) سواءً فإنّ ولايته عليهم لا تنعدمُ بالتدبيرِ، والاستيلادِ، وإنما تحتلُّ الماليةُ بهذا السببِ، ولا عِبرةَ للماليةِ، فإنه يُؤدِّي عن نفسهِ، وعن أولادِه الصغارِ، ولا ماليةَ منهم ما خلا المكاتبين، فإنُه لا يُؤدَّي عنهم؛ لأنّ وِلايةَ عليهم قدْ أُجبِلتْ بسبب الكتابةِ، فإنَّ المكاتَب صار بمنزلةِ الحُرّ في حقِّ اليدِ، والتصرفِ، وحكى عن عطاءٍ -رحمه الله- (١٢) أنهُ يؤدِّي عنهم (١٣) لقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أدُّوا عن كُلِّ حُرٍّ، وعبدٍ» (١٤)، وقال: المكُاتِبُ: عَبْدُ ماَ بِقيَ عليه دْرِهَمٌ، ولكنّا نستدِلُ بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «أدُّوا عَمَّنْ تمونون» (١٥)، وهؤلاءِ يمَونُونَ إِلاَّ المكاتبَ، وعن ابنِ عمَر -رضي الله عنهما- أنهُ كانَ يؤُدي عن زكاةِ الفِطْرِ عن جميع ممَاليكِه (١٦) إِلاَّ المكاتبين لهُ، وليس على المُكاتبِ أنْ يؤدِّي عن نفسهِ، وعن مماليكهِ إِلاَّ على قولِ مالكٍ -رحمه الله- (١٧)، فإنهُ يجعلُ المُكاتبِ مالكًا لكْسبِهِ بناءً على أصلِهِ أنّ المملوِكَ مِنْ أهلِ مُلْكَ المالِ إذا مَلَكَهُ المولى، وعِنْدَنَا المملوكُ مالًا ليسَ مِن أهلِ مُلْكَ المالِ التَّضادِ بين المالكيةِ، والمملوكيةِ، والدليل عليه: إباحةُ الأخذِ لهُ، وإنْ كانَ في يدهِ كَسْبٌ (١٨).


(١) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(٢) في (ب): (لاتحاد).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٨٤، ٢٨٥).
(٤) في (ب): (ولاالتسبب).
(٥) المثبت هو من (ب) (التجدد التقديري هاهنا بالتجددالتقديري) وفي (أ) (التحددُ التقديري هاهنا بالتحددِ التقديري).
(٦) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (٧٩٣٥ - ٤/ ١٦١)، والدَّارقُطنيّ في سننه (٢/ ١٤١). قال الألباني في إرواء الغليل (٣/ ٣٣٠): حسن.
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).
(٨) في (ب): (كالاولاد)
(٩) القن: قال ابن سيده وغيره: القن هو المملوك وهو الرقيق الكامل رقه الذي لم يحصل فيه شيء من أسباب العتق ومقدماته. يُنْظَر: كشاف القناع (١/ ٢)
(١٠) التَّدْبيرُ: عِتْق العَبْدِ والأَمَة بعد الموت، سمي تدبيراً لوقوعه دَبْرَ الحياة وفي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «المدَبَّرُ حُرٌّ من الثُلث». يُنْظَر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (٤/ ٢٠٢٥).
(١١) أم الولد هي التي ولدت من سيدها في ملكه. يُنْظَر: الْمُغْنِي (١٠/ ٤١١).
(١٢) هو: عطاء بن أبى رباح القرشي، مولى أبى خثيم الفهري، واسم أبى رباح أسلم، كنيته أبو مُحَمَّد مولده بالجند من اليمن، ونشأ بمكة وكان أسود أعور أشل أعرج، ثُمَّ عمى في آخر عمره، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا لم يكن له فراش إِلاَّ المسجد الحرام إلى أن مات سنة أربع عشرة ومائة، وقد قيل: إنه مات سنة خمس عشرة ومائة وكان مولده سنة سبع وعشرين.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (٥/ ١٩٨)، التاريخ الكبير (٦/ ٤٦٣)، الجرح والتعديل (٦/ ٣٣٠).
(١٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٨٥).
(١٤) سبق تخريجه ص (٢٢٩).
(١٥) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(١٦) لفظه: " أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد، صغير وكبير، ذكر وأنثى، كافر ومسلم، حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه "، وقد أخرجه الدراقطني في سننه كتاب زكاة الفطر (٢/ ١٥٠) وقال: عثمان هو الوقاصي متروك ا. هـ.، وقال في ابن حجر في الدراية (١/ ٢٧٠): وفي إسناده عثمان الوقاصي وهو متروك ا. هـ. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٢/ ١٤٩)، وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (٣/ ١٧٤)، باب ما قالوا في العبد النصراني يخرج عنه، ولفظه: عن الأوزاعي قال: "بلغني عن ابن عمر أنه كان يعطي عن مملوكه النصراني صدقة الفطر".
(١٧) يُنْظَر: التلقين (١/ ٦٧)، الاستذكار (٣/ ٢٦٣).
(١٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٨٦).