للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن استحسنَ أبو حنيفةَ، وأبو يُوسُف -رحمهما الله- (١) فقالا: فيها معنى المؤُنةِ بدليلِ الوجوبِ على الغيرِ بسبب الغير فهو كالنفقةِ ونفقةُ الصغيرِ في مالهِ إذا كانَ لهُ مالٌ، ثُمَّ هذه طُهْرةُ شَرْعِيةٌ، ويُقاسُ بِنفعهِ الخِتانُ، وهذا لأنا لو لم نُوجِبْ عليهْ أصبحتا إلى الإيجابِ، وعلى الأبِ، ومالِ الصبيِّ يحتملُ حُقوقَ/ العبادِ، وبهِ فارقَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ على قولِ أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله-، وأبي يُوسُف كما تُؤدِّي عن الصغير مِنِ مالِه، فكذلك عن مماليك الصغيرِ يُؤدّي منِ مالِ الصغيرِ، وِعندَ مُحَمَّد لا تُؤدَّى عن مماليكهِ أصلًا والمعتوهُ، والمجنونُ في ذلكَ بمنزلةِ الصغيرِ، (ولا يُؤدِّي عن زوجتهٍ) (٢)، وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (٣): يجبُ الأداءُ عنها لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «أدُّوا عَمَّنْ تمونون» (٤) زوجُته، ومُلكُهُ عليها نظيرَ مُلْكِ المولى على أمِّ ولدِهِ، فإنهُ تثبُتُ بهِ الفراش، وحَلُّ الوطئِ، فكما يجبُ عليه الأداءُ عن أمِّ وَلدِه، فكذلك] عن (٥) زوجتهِ، ولنا أنّ عليها الأداء عن مماليكِها، ومَنْ يجبُ عليهِ الأداءُ عنْ غيرهِ لا يجبُ على الغيرِ الأداءُ عنهُ، وهذا لأنّ نفسَها أقربُ إليها مِن نفسِ مماليكها، ثُمَّ النفقةُ على الزوجِ باعتبار العُقْدِ فلا يكونُ مُوجبًا للصدقِة، كنفقةِ الأجيرِ على المستأجرِ، وهذا لِأَنّ في الصدقةِ معنى العِبادةِ، وهو ما يُزوجُها لِيَتحمَّل عنها العباداتِ، وقد بيّنا أنَّ مجُردَ المؤنةِ بدونِ الولايةِ المطلقةِ لا تنهضُ سببًا، وبِعْقدِ النكاحِ لا تثبتُ له عليها الوِلايةُ فيما سوى حقوقِ النكاحِ بخلافِ أمَّ الولدِ (٦)، فإنّ المولى عليها ولَاية مطلقة بسبب مُلكِ الرقبةِ، (ولا عن أولادهِ الكبارِ، وإنْ كانوا في عيالِه) (٧) بأنْ كانوا زمنى (٨).


(١) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٦٩)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (٣/ ٨٢).
(٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).
(٣) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٥١ - ٣٥٣)، الْمَجْمُوع (٦/ ١١٣).
(٤) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(٥) سقطت في (ب).
(٦) أم الولد: الأمة التي حملت من سيدها وأتت بولد، معجم لغة الفقهاء (١/ ١٠٢).
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٨٨، ١٨٩).