للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (١): إنْ كانوا زمنَى معسرينَ فعليهِ الأداءُ عنهم، وإنْ كانوا أصحاءَ مُعسريَن في عيالِه فلهُ فيه وجهان، واستدَلّ بقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أدّوا عَمّنَ تمونون» (٢)، وهو َعوْنُ وَلَدِهِ الزمنَ المعُسر، وأصحابنا قالوا (٣): بأنّ السببَ رأسٌ يمؤنة بولايته عليه ليكون في معنى رأسهِ، ولا ولِاية له على أولادهِ الزمنى إذا كانوا كبارًا، وبدون تَقَرُرِ السببِ لا يثُبُت الوجوبُ، ولا يُؤدِّي الحرَّ عن نوافلهِ الصغارِ (٤)، وإنْ كانوا في عيالهِ (٥).

وروى الحسنُ، عن أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٦): أنّ عليه الأداءَ عنهم بعدَ موتَ الأبَ، وهذهَ أربعُ مسائلَ يخُالِفُ الجدَّ فيها الأبَ في ظاهرِ الروايةِ، ولا يخالفُ في روايةِ الحسنِ: إحديها: وجوبُ صدقةِ الفِطْرِ، والثانية: التبعيةُ في دارِ الإسلامِ، والثالثةِ: حتى الولاءِ، والرابعة: الوصيةُ بقرابة فلان، فلأنَّ وجهَ رِوايةِ الحسنِ أنّ وِلايةَ الجدِّ عندَ عَدَمِ الأبِ، وِلايهٌ مُتكامِلةٌ، وهو بمِوتهِم فيتقرُر السببُ في حقّهِ وجهٌ ظاهِرُ الرِوايةِ أنّ ولايةَ الجدِّ متنقلةٌ مِنَ الأبِ إليهِ فهي نظيرُه، ولِأنّهُ الوصِيُّ، وهذا لأنّ السببَ إنما يتقررُ إذا كانَ رأسهٌ في معنى رأس نفسِهِ باعتبارِ الولايةِ، وذلك ليتقررَ في حقِّ الجدِّ؛ لأنّ ثبوتَ ولايتهِ بواسطةِ ولايتهِ على نفسِهِ ثابِتةٌ بدونِ الواسطةِ أجزاه استحسانًا، وهو رِوايةٌ عن أبي يُوسُف (٧)؛ لأنّ العادةَ أنّ الزوج هو الذي يُؤدِّي مكانَ الأمرِ منها ثانيًا باعتبارِ العادةِ، فيكونُ كالثابتِ بالنصِّ، وهذا كلُّهُ مِن "المَبْسُوط" (٨). فإنْ قيِل: إذاً زكاةُ الغيرِ بغيرِ إذنهِ لا يخُرجُهُ عن عُهَدِة الزَّكَاةِ، وإنْ كانَ قد أدَّى الزوجُ عَنْ زوجتهِ فكيف يجوزُ فيها؟


(١) الأم (٢/ ٦٣)، الْمَجْمُوع (٦/ ١١٤).
(٢) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(٣) الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(٤) النَّافِلَةُ: في الصلاة زيادة على الفريضة و الجمع (نَوَافِلُ). يُنْظَر: المصباح المنير (٢/ ٦١٩).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٨٩).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٨٩)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٣٥).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٩١)، الهِدَايَة (١/ ١١٥).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٨٩).