للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: لِأنّ الزَّكَاةَ عبادةٌ محضةٌ فيُشترطُ الإذِنُ صريحًا؛ لأنهُ لا يجوزُ لأَحدٍ أنْ يُؤدِّي عبادة غيرهِ إِلاَّ أنَّ في العباداتِ المالية تجري النيابةُ إذا أنابَهُ صريحًا لتحققِ معنى الطاعةِ، والابتلاءِ بالإنابةِ، وأمّا صدقةُ الفِطْرِ، وفيها معنى المؤنةِ، فيجوزُ أنْ تسقطَ بأداءِ الغيرِ، وإنْ لم يوُجْدَ الإذِنُ صريحًا كما في سائرِ المُؤنِ هكذا أفادَ الإمامُ العالمُ الرباني مولانا حميدُ الدينِ الضرير -رحمه الله- (١) (٢)، وعِنْدَنَا وجوبهَا على المولى بسببهِ كالزَّكَاةِ، فيؤدِّي إلى الغني: يعني الزَّكَاةُ واجبةٌ على المولى بسببهِ، فلو قلنا: بوجوبِ] سبب (٣) صدقةِ الفِطْرِ على المولى أيضًا لسببهِ، لكانَ فيهِ سببُ الصدقةِ على المولى في سَنةٍ واحدةٍ بسبب مالٍ واحدٍ، وهذا لا يجوزُ لإطلاقِ قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا ثني في الصدقةِ» (٤) الثنيَّ مكسور مقصور، أي: لا تُؤخذُ في السنةِ مرتين (٥) وعن أبي سعيدٍ الضريرٍ -رحمه الله- (٦) معناه: لا رُجوعَ فيها، ولا استردادَ لها، وأنكَر الأولُ. كذا في "المُغْرِب" (٧). بنى ثني لا لنفي الجنسِ، ولهذا سقطَ التنويُن كذا ذكره الإمام الزرنوجي -رحمه الله- (٨) فإنْ قلتَ: في عَبيدِ التجارة اختلفَ سببا الزَّكَاةِ، وصدقةِ الفطر، ومحلاهما فلا يُؤدِّي إلى الثني؛ وذلك لأنّ سببَ الزَّكَاةِ الماليةِ فيهم، وسببُ صدقةِ الفِطْرِ مؤنةُ رأسِهم، وكذلك المحلّ فإنَّ محلَّ أحدهِما الذمةِ، ومحلَّ الآخرِ بعضُ النصابِ فلما كانا حقينِ مختلفينِ يجبانِ بسببين مختلفين في محلينِ مختلفين لم يلزْم الثني/ لما أنّ الثنيَ عبارةٌ عن تثُبتِ شيءٍ واحدٍ، وهما شيئان مختلفان فيجبانِ كَأُجرةِ رَعْي السائمةِ مع الزَّكَاةِ، ونفقةِ عَبيدِ التجارةِ مع الزَّكَاةِ (٩).


(١) هو: علي بن مُحَمَّد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش - بضم الميم- قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًا محدثًا متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي، انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه: "الفوائد" حاشية على الهِدَايَة علقت على مواضع مشكلة، و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير ".
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٣٧٣)، الفَوَائِد البهية (ص ١٢٥).
(٢) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٩٠).
(٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٢١٨)، باب من قال لا تؤخذ في السنة إِلاَّ مرة، بسنده عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن حسن بن حسن، عن أمه فاطمة، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (لا ثنى في الصدقة)، وأخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال (٢/ ٣٣٤)، باب فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن من حديث فاطمة بنت الحسين أيضا، قلت: وفاطمة بنت الحسين بن علي -رضي الله عنهما- تابعية فالحديث مرسل، وهي ثقة، تقريب التهذيب (٢/ ٧٥١).
(٥) يُنْظَر: مختار الصِّحَاح (١/ ٩٠).
(٦) أحمد بن خالد اللغوي أبو سعيد الضرير. قال الأزهري: استقدمه ابن طاهر من بغداد إلى خراسان فأقام بنيسابور وكان قد لقي أبا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَابن الأعرابي، وَغيرهما وكان قيّماً باللغة وأملى كتاب المعاني والنوادر. يُنْظَر: لسان الميزان (١/ ٤٥١).
(٧) يُنْظَر (١/ ١٢٥).
(٨) برهان الدين الزرنوجي من أهل القرن السادس للهجرة ومن تلامذة برهان الدين صاحب الهِدَايَة في فروع الفقه له في المواعظ والتصوف كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم. يُنْظَر: اكتفاء القنوع ١/ ١٩٠).
(٩) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٨٧).