للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: الفرقُ بين النفقةَ، والأُجرةِ، وبين صدَقَةَ الفِطْرِ، كانتْ لما أنّ في صدقةِ الفِطْرِ جهةَ الصدقةِ غالبةً، فكانَ حديثُ الثني متناولًا لها بإطلاقهِ، فتنتفي صدقةُ الثني بالحديثِ بخلافِ الأُجرة، ونفقةِ العبيد؛ لأنه ليسَ فيهما شائبةُ الصدقةِ، فلا يلزمُ الثناءُ، وذكر في "الْأَسْرَارِ" (١) وجهاً آخَر، وقال: إنّ الشرعَ بنى هذه الصدقةَ على المؤنةِ، فقال: «أدُّوا عَمّنْ تمونون» (٢)، وهذا العبدُ مُعَدٌّ للتجارةِ لا للمُؤنةِ والنفقةُ التي يغرمُها فيهم لطلبِ الزيادةِ منهم فيكونُ ساقطَ العبرةِ بحُكْمِ القصدِ إلا ترى أنّ المضارِبَ يملكُ هذا الاتفاقَ، وهو غيُر مأذونٍ إِلاَّ بالتجارةِ إذا سقطتْ المؤنةُ حُكْمًا في مالِ التجارةِ أشبهَ السقوطَ حقيقةً، ولو سقطَ حقيقةً بالإباقَ، أو الغصبِ، أو الكتابةِ كانَ لم تجبْ صدقةُ الفِطْرِ لانعدامِ المؤنةِ، فكذا هذا فعلم بهذا أنّ سقوطَ صدقِة الفِطْرِ هنا لِزوالِ سببِ الوجوبِ، وهو المؤنةٍ لا لتنافٍ بين الواجبين، (والعبد بين شريكين) (٣): أيْ العبدُ الذي هو للخِدمةِ، ولا للتجارةِ (٤)، وبهِ صّرحَ في "المَبْسُوط" (٥): (لا فِطْرةَ على واحدٍ منهما) (٦)، وهذا عندنا (٧)، وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (٨): يجبُ عليهما، وهو بناءً على الأصلِ الذي تقدّمُ بيانهُ في مسألةِ عَبيدِ التجارةِ (٩)، فإنّ عندَهُ الوجوبَ على العبدِ، وهو كاملٌ في نفسهِ، وعِنْدَنَا الوجوبَ على المولى عن عبدِه، وواحدٌ منهما لا يملكُ ما سمُيِ عَبدًا فإنْ نصفَ العبد ليس بعبدٍ، وعلى سبيلِ الابتداءِ، وهو يستدلِ بقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أدُّوا عمن تمونون» (١٠)، وهما يمونانه فإنّ نفقتَه عليهما، فكذلك الصدقةُ عنه،] ولنا (١١) أنّ السببِ رأسٌ يحويهِ بولايته عليه، ولا وِلايَة لواحدٍ منهما عليهِ على الكمال حتى لو أرادَ أنْ يزوجَه لا يملِكُ ذلك، ولِأَنَّ الرأسَ هو السببُ، والرأسُ لا يتحرَّى ثبوتُه، فإنهُ يفوتُ بالتبعيضِ، فُعلِمَ بهذا أنّ البعضَ ملك مال لا رأس ولايه، ولأنهُ لا يلتحقُ برأسهِ إلى أنْ لا يملِكُ كُله، ويمونُ كُلَّ المؤنةِ، فهذهِ مسائلُ تخرجُ بانعدامِ العِلةِ، والعدمُ لا يوُجب نفيًا، ولكن لا وجوبَ بدونِ العِلةِ إذا ثبتَ أنه العِلَةُ لا عن لا يَوجد الحكم بدونها. كذا في "المَبْسُوط"، و"الْأَسْرَارِ" (١٢).


(١) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٠).
(٢) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(٣) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٨٧).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٩١).
(٦) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(٧) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٣٧)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧١).
(٨) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٦٣)، الوسيط (٢/ ٥٠١).
(٩) يُنْظَر: الأم (٢/ ٤٨)، الْحَاوِي (٣/ ٣٥٨).
(١٠) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(١١) في (ب): (قلنا)
(١٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٩١).