للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ الذي يجبُ على الشريكين عنَد الشَّافِعِي -رحمه الله- (١) إنما يجبُ على وجه التنصيف لا على وجه الكمال، فإنهُ ذَكر في "الخُلَاصَة الغزاليَّة" (٢): والعبدُ المشترِكُ تجبُ فِطْرتُه على (سيديِه) (٣) بالشركةِ، ولا يخرجُ نصفُ صاعٍ في الفِطْر إِلاَّ في هذا الموضع (وقالا: على كُلَّ واحدٍ منهما ما يخصُه مِنَ الرؤوسِ دونَ الأشقاصِ) (٤) (٥) حتى لو كان بينهما خمسةُ أَعْبدٍ يجبُ على كُلٍّ منهما صدقةُ الفِطر عن العبدين، ولا يجبُ عن الخامس (٦). ثُمَّ إلحاقُ أبي يُوسُف ومُحَمَّد هاهنا مخالفٌ لما ذكره في "المَبْسُوط" (٧)، فقال فيه: فإن كان بينهما مماليكٌ للخدمةِ، فعلى قولِ أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- لا تجبُ على واحدٍ منهما صدقةُ الفِطر عنهم، وعند مُحَمَّد -رحمه الله-، تجبُ على كل واحدٍ منهما الصدقةُ في حِصّتهِ إذا كانتْ كاملةً في نِفسها ومذهبُ أبي يُوسُف -رحمه الله- مُضطرِبُ.

ذُكَرِ في بعض روايات هذا الْكِتَاب كقول مُحَمَّد -رحمه الله-، والأصَحُّ: أنّ قولَه: كقولِ أبي حَنِيفَةَ، فأبوحنيفة مرّ على أصلهِ، فإنه لا يرى قسمةَ الرقيقِ جبرًا] فلا يملكُ كُلُّ واحدِ منهما ما يُسمى عبدًا، ومُحَمَّد مّر على أصله فإنه يرى قسمةَ الرقيقِ جبرًا (٨)، وباعتبار القِسمةِ مُلْكُ كُلّ واحدٍ منهما في البعض متكاملِ، وكذلكِ مذهبُ أبي يُوسُف إنْ كان قوله كقولِ مُحَمَّد -رحمه الله- (٩)، وإنْ كانَ قوله كقولَ أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله-، فعذره أنّ القِسمةَ تُبنى على المَلك، فأمّا وجوبُ صدقةِ الفِطْرِ، فينبني على الولِاية لا على المُلك حتى تجبُ الصدقة عن الولدِ الصغيرِ، وليس بواحدٍ منها ِولايةٌ كاملةٌ على شيءٍ من هذهِ الرؤوسِ؛ لأنّ الوجوبَ عنَده على العبدِ، وهو ليسَ من أهله ويستدِلُّ لإثباتِ هذا الأصل بحديث] ابن (١٠) عمر -رضي الله عنه-: «أنّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- فرضَ صدقةَ الفِطْرِ على كُلّ حُرٍّ وعبدٍ» (١١)، ولأنها طُهْرةٌ للصائِمِ، ووجوبُ الصومِ على العبدِ.


(١) الشَّافِعِي يقول يجب فيه عليهما بقدر ملكهما؛ بناءً على أنّ الوجوب عنده على العبد، وهو في نفسه كامل، وإنما المولى يتحمّل عنه بالملك، فيتقدّر بقدر الملك وهو مذهب المالكية والحنابلة.
يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٦٣)، الوسيط (٢/ ٥٠١)، التلقين (١/ ٦٧)، الْمُغْنِي (٢/ ٧٠٢).
(٢) يُنْظَر (١/ ٢٠٦).
(٣) في (ب): (سيده).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(٥) الشقص: القطعة من الأرض، والطائفة من الشئ، والشقيص: الشريك، يقال: هو شقيصى، أي شريكي في شقص من الأرض. يُنْظَر: الصِّحَاح (٣/ ١٠٤٣).
(٦) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٣٣)، البناية (٣/ ٥٧٧).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٩٢).
(٨) سقطت في (ب).
(٩) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧١)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٧٢).
(١٠) سقطت في (ب).
(١١) أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه (٢/ ١٣٠)، باب فرض صدقة الفطر من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ولفظه (أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فرض زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين) كما أخرجه مسلم في صحيحه (٣/ ٣٠٩)، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير من حديثه أيضا، وأحمد في مسنده من حديثه أيضا (٩/ ٢٤٣)، وأبو داود في سننه (٢/ ٢٦)، باب كم يؤدى في زكاة الفطر من حديثه أيضا، والترمذي في سننه (٣/ ٦١)، باب صدقة الفطر من حديثه أيضا، والنسائي في سننه (٥/ ٤٨)، باب فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين من حديثه أيضاً، وابن ماجه في سننه (١/ ٥٨٥)، باب صدقة الفطر من حديثه أيضاً.