للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أدُّوا عمن تمونون» (١)، فإنما الوجوبُ على مَنْ خُوطِبَ بالأداءِ، وجعله بمنزلة النفقةِ، ونفقةُ المملوك على المولى، فكذلك صدقةُ/ الفِطْرِ عنُه عليهِ، ثُمَّ هذه صدقةٌ واجبةٌ باعتبارِ مُلكِه فكان عليه ابتداءً كزكاةِ المالِ عن عَبْدٍ التجارةِ، وهذا لأنّ حالَ العبدِ دُونَ حالِ فقيرٍ لا يملكُ شيئًا؛ لأنّ ذلك الفقيرَ مِن أهلِ المُلك، والعبدُ لا، فإذا لم يجبْ على الفقيرِ الذي لا يملكُ شيئًا، فلأن لا يجبُ على العبدِ أولى، ولدليلٍ عليه أنهُ لا يخُاطَبُ بالأداءِ بحالٍ بخلافِ الصغيرِ الذي لهُ مالٌ، فإنهُ يخاطَبُ بالأداءِ بعدَ البلوغِ إذا لم يؤدِّ عنه وليهُ وحرفُ (على) في حديث ابن عمر بمعنى حرف] عن [قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} (٢) أي: عن الناسِ بدليلِ سائرِ الأخبارِ، ولا يُعتبر بالصومِ، فإنهُ يجبُ على الرضيعِ، ولا صومَ عليه، ولو كانَ على العَكسِ، فلا وجُوبَ بالاتفاقِ (٣). أمّا عِنْدَنَا فظاهُر (٤)؛ لأنّ المولى ليسَ بأهلٍ للوجوبِ عليه، ولا للِأداءِ. وأمّا عند الشَّافِعِي (٥) فإنْ يحملْ الوليَ عن مملوكهِ يَستدعي أهليةَ أداءِ العبادةِ والكافرُ ليس بأهلٍ له، والوجوبُ عنده باعتبارِ تحمَّلِ الولي الأداءَ عنه، فإذا انعدمَ ذلك في حقِّ المملوكِ لم يجبْ أصلًا. كذا في "المَبْسُوط" (٦).

وفطرتُه علَى مَنْ يصيرُ له حتى إذْ تَّم البيعُ فعلى المشتريِ، وإنْ انتقض فعلى البائع، وقال زُفر: على مَنْ له الخِيار (٧)، وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (٨): على مَن له الملُك. قلتُ: هذا الخلافُ الذي ذُكِرَ بينهما مُوافِقٌ لما ذكره في "المَبْسُوط" (٩) و"شرح الطحاوي"، ومخالف لما ذُكِرَ في "الْأَسْرَارِ" (١٠)، وفَتَاوَى قَاضِي خَانْ (١١)، فإنّ المذكور فيهما على عكسِ ما ذُكَرِ لكُلِّ واحدٍ منهما (١٢) من المذهبِ في الْكِتَابِ حيثُ اعتبرَ زُفَر المُلك، والشَّافِعِي الخيارَ، وإنْ كانَ الخِيار لهما، فعلى البائعِ واحتجَّ مِنْ اعتبرَ الخيارَ فاقل قرار الملك لما كان شرطًا قَبْلَ هذا الخِيار بالاتفاقِ قام مَنْ له الخِيار مَقامَ مَنْ له المُلكِ على القرارِ؛ لأن الزوالَ حينئذٍ يكون باختيارهِ، فلا يُعتبر في حقِّ إبطالِ الصدقةِ كمن شُرِعَ في الصومِ، ثُمَّ سافَر لا يُباحُ له الفِطْرِ؛ لأنهُ باختياره حصل، ولو مَرِض أُبيحَ لهُ الفِطْرِ؛ لأنهُ لا خيارَ له فيهِ، وإنْ كانَ المرضُ، والسفرُ أباحا الفِطر بنصٍّ واحدٍ، كذا في "الْأَسْرَارِ" (١٣).


(١) سبق تخريجه ص (٢٣٣).
(٢) سورة المطففين الآية (٢).
(٣) يُنْظَر: الإجماع لابن المنذر (١/ ٤٦)، البناية (٣/ ٥٧٩)، الاستذكار (٣ م ٢٥٨)، الْحَاوِي (٣/ ٣٥٩)، الْمُغْنِي (٢/ ٦٤٨).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٨٧)، الجوهرة النيرة (١/ ١٦٤).
(٥) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٥٩).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٨٦، ١٨٧).
(٧) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٨٩)، الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(٨) يُنْظَر: الأم (٢/ ٦٣)، الْحَاوِي (٣/ ٣٦٦).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١٩٧).
(١٠) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٠٨).
(١١) يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (١/ ٢٦٧).
(١٢) يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (٣/ ٥٨٠).
(١٣) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَارِ: (٤/ ٥٢٩).