للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشَّافِعِي -رحمه الله-: على مَنْ له المُلك (١)، وهو المشتري عنَده، وأنّ المذهبَ عند الشَّافِعِي: أنّ خيارَ الشرطِ لا يمنعُ ثبوتَ المُلك للمشتري كخِيار العيبِ (٢) كذا وُجِدَتْ بخط شَيْخِي -رحمه الله- (٣)؛ لأنه مِن وظائفهِ، أي: لأنّ صدقة الفِطر بمعنى التصدّقِ من وظائفِ الملك، ويقول: هذه مؤُنة يجب بسببِ الملك،] وكان نظير (٤) النفقةِ يجبُ على من له المُلك وقتَ الوجوبِ فكذلكَ الصدقةُ؛ لأنهُ لو رُدَّ يعودُ إلى] قديم مُلكِ البائع (٥)، فكذلك وجوبُ صدقةِ الفِطْرِ تكون على البائعِ، ولهذا قال في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (٦): والعبد لو كان مبيعًا بيعًا فاسدًا فمَّر يومَ الفِطر قبلَ قَبْضِ المشتري، ثُمَّ قبضُه المشتري، وأعتقه فالصدقةُ على البائعِ؛ لأنّ الملك للبائعِ كان ثابتًا قبلَ القبضِ، وإنما يثبتُ للمشتري عند القبضِ مقصورًا عليه، وكذا إذا مرَّ يومَ الفِطر، وهو مقبوضٌ للمشتري، ثُمَّ اشتراهُ البائعُ؛ لأنّ حقَّ البائعِ ما انقطع] بالقبضِ (٧) لبقاءِ ولاية الاستردادِ، وكان بمنزلة بيعٍ فيه خِيار، وإنْ لم يسترد بالبائعِ، وأعتقه المشتري، فصدقةُ فِطْرِه على المشتري؛ لأنَ مُلك المشتري، تَمَّ بالإعتاقِ كما يَتِمَّ بإسقاطِ الخيار في بيعٍ فيه خِيارٌ فيتوقف ما يُبتنى عليه مِن حقوقِ الملكِ، فإنْ قيِل: أليسَ أنَّ العتاقَ منِ حقوقِ الملكِ ثُمَّ لو أعتقه المشتري، والبائعُ بالخِيار لم (يعفُ) (٨) العتاقَ (٩).

قلنا: نفسُ الإعتاقِ ليستْ منِ الحقوق، بل هي تُصرف مبتدأَ يُزيل المُلك، لكنْ إذا وقعَ صار منِ حقوقهِ؛ لأنه نهايةٌ للملكِ، والبيع إذا كان فيه خِيار (١٠) المنافعِ مُعدومٌ حُكْمًا في حقِّ المشتري، فلا يُعتبر حينئذ إعتاقه قبلَ المُلك مِنْ حيثُ النفاذِ بوجهٍ، فلا يصيرُ وصفًا له فأمّا الصدقةُ ففي نفسها منِ حقوقِ الملك كالنفقةِ، فلما توقفَ حِالُ الملُك بالبيعِ على أنْ يصيرَ للمشتري منِ أولِ البيع يُوقف معه أمرُ الصدقة، فإن قِيل: يبطلُ عن تزوج امرأةٍ على عبد بعينهِ، ولم يسلمْ إليها حتى قضى يومَ الفِطر، ثُمَّ طلقها لم يجبْ على الزوج، وقد عاد إليه من الأصلِ، ولا عليها. قلنا: أمّا المرأةُ فلا وجوبَ عليها؛ لأن السببَ وهو المؤنةُ بسبب الولاية، ولا مؤنة عليها قبلِ التسليم، وإن/ يثبت للمالك، ونفسَ الملك بلا يدٍ لم يوجِب له حقُّ النفقةِ، وقد انقطعَ ملكها عن نصفهِ قبلَ التمامِ بالقبضِ، فصار كأنَّ ذلك القدرَ لم يكنْ مملوكًا لها، وأمّا الزوجُ، فكان عليه المؤنةُ بلا مُلكِ، والمؤنةُ في العبدِ بلا مُلك لا تُوجبُ صدقةَ الفطرِ، كذا في "الْأَسْرَارِ"، وفتاوى الإمام الولوالجي -رحمه الله- (١١) (١٢)، وزكاةُ التجارةِ على هذا الخلاف، يعني: إذا اشترى عبدًا للتجارة على أنهُ بالخيارِ فحالَ الحولُ، والخِيار باقٍ، فإن قلت: أنّ المشتري إذا اشترى على أنهُ بالخِيار فمنِ يومِ الفِطْرِ، والخيارُ باقٍ، ينبغي أنْ تجبُ فطرتهُ على المشتري على قولهما لما أنّ خيارَ المشتري لا يمنعُ ثبوتَ الملك للمشتري عندهما، وهذا حُكْم دائرٌ مع الملك (١٣).


(١) يُنْظَر: الأم (٢/ ٦٣)، الْحَاوِي (٣/ ٣٦٦).
(٢) يُنْظَر: الأم (٢/ ٥٣).
(٣) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(٤) في (ب): (وكانت النفقة).
(٥) في (ب): (إلى ملك قديم ملك البائع).
(٦) يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (١/ ٢٠٢).
(٧) سقطت في (ب).
(٨) في (ب): (يقع).
(٩) يُنْظَر: الفتاوي الهندية: (١/ ١٩٣).
(١٠) في (ب): (والبيع إذا كان فيه خيار للبائع معدوم كل مافي حق المشتري).
(١١) سبق ترجمته ص (٢١٠).
(١٢) يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (١/ ١٧٩).
(١٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٩٠).