للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا بل هي حكم دائر مع قرارِ الملكِ لا نفسَ الملك ألا ترى أنّ ترددَ قرارِ الملك هاهنا أكثر من التردد فيما إذا اشتراه بشراءٍ فاسد، وقبضَه، ومرَّ يومُ الفِطْر، وهو مقبوضً المشتري، ثُمَّ ردّه بفسادِ الشرى، وقد ذكرنا أنّ فطرتَه لا تجبُ على المشتري، وإنْ كانَ مُلكه في ذلكِ اليومِ عُلِمَ أنّ ولايةَ الردِ، والاستردادِ كافيةٌ لمنعِ وجوبِ الفِطْرِة عَمَّنْ له الملك في الحالِ.

وفي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (١): وتجبُ عليه صدقةُ فِطَرِ عبدهِ المأذونِ، وإنْ كانَ على العبد دَيْنٌ مُستغرقُ (٢)، ولا تجبُ صدقةُ الفِطر على عَبيدِ عبدِه المأذونِ (٣)؛ لأنه إذا كان على المأذون دَيْن لا يملك المولى عَبيدهَ، وإنْ لم يكنْ عليه دَين كانَ العبدُ للتجارة (٤)، والله أعلمً بالصواب (٥). (٦) فَصلٌ في مقدار الواجب لما ذُكِرَ وجوبُ صدقةِ الفطرِ، (وشروطه) (٧)، ومن يجبْ عليه، (ومن يجبْ عنه) (٨) شُرِع في بيان ما يؤدِّي به صدقةَ الفِطر، وقدّرهُ (٩) قال -رحمه الله- (الفطرةُ نصفُ صاعٍ من بُرّ) (١٠) معناه (صدقةُ الفِطْرِ) وقد جاءتْ في عباراتِ الشَّافِعِي وغيره (١١)، وهي صحيحةٌ منِ طريقِ اللُّغةِ، وإنْ لم أجْدها فيما عندي من الأصولِ (١٢). كذا في "المُغْرِب" (١٣).

(وقال أبو يُوسُف، ومُحَمَّد -رحمهما الله- (١٤): الزبيبُ بمنزلةِ الشعيرِ، وهو رِوايةٌ عن أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (١٥) (١٦)، قال أبو اليُسرِ في جامعهِ الصغيرِ: هذا هو الصحيحُ، فإنهُ رُويَ في بعضِ الروايات أو صَاعًا من زبيبٍ؛ لأنّ الزبيبَ عندَهم في معنى التمرِ (١٧) وقال الشَّافِعِي -رحمه الله-: منِ جميعِ ذلك صاعٌ (١٨)، واستدلَّ بحديثِ ابنِ عُمر -رضي الله عنه- (١٩)، فإنه ذَكَر فيه صاعًا من بُرِّ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ (٢٠)، والتقدير بنصفِ صاعٍ شيءٌ أحدثَهُ معاويةُ -رضي الله عنه- برأيهِ على ما قالَ أبو سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- (٢١): "كنا نخُرِجُ في زكاةِ الفِطْرِ صاعًا من طعامٍ حتى قَدِمَ مُعاوِيةُ من الشامِ، فقال: لا أرى إِلاَّ مَدَّيْنِ مِن سَمُرِ الشامِ يَعدِلُ صَاعًا منِ طعامِكم هذا" (٢٢). وأكثرُ ما في البابِ أنّ الآثارَ فيه قد اختلفتْ، والأخذُ بالاحتياطِ في باب العباداتِ واجبٌ، والاحتياطُ في إتمامِ الصّاعِ (٢٣)، وقياسهِ بالشعيرِ، والتمرِ بِعلَّةِ أنهُ أخذُ الأنواعِ التي تتأدّى به صدقةُ الفِطْرِ، ولنا ما روينا، وهو ما رواهُ مِن حديثِ ثعلبة بن صغير في أول الباب، وهو مذهبُ جماعةٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- حتى قال أبو الحسن الكرخي -رحمه الله- (٢٤) (٢٥) لم يُنْقل عن أحدٍ منهم أنهُ لا يجوزُ أداءُ نصفِ صاعٍ من بُر، وبهذا تندفعُ دعواه أنُه رأى معاويةَ، بل فيهِ ما يُوجِبُ ردَّهُ؛ لأنّ الناسَ في زمنِ معاويةَ كانَ أكثرُهم أصحابَ رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام-، وما كانوا يتركون السنة بقولِ معاويةَ، فدَّلَ التركُ على أنهُ رَوى نصًّا عرفوا صحتهُ.


(١) يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (١/ ٢٠٢).
(٢) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٨٨).
(٣) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٠).
(٤) يُنْظَر: الفتاوى الهندية: (١/ ١٩٣).
(٥) في (ب): (فَصلٌ في مقدار … ).
(٦) بياض في (أ) وفي (ب) (فَصلٌ في).
(٧) في (ب): (وشروطها).
(٨) سقطت في (ب).
(٩) في (ب): (قوله -رحمه الله-
(١٠) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(١١) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٧٩)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٤٢).
(١٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٩٠).
(١٣) يُنْظَر: (٢/ ١٤٤).
(١٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٠٥)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٢).
(١٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(١٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٩٠).
(١٧) يُنْظَر: الجامع الصغير للكنوي (٢/ ٢٩٠).
(١٨) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٣٧٩)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٤٢).
(١٩) تقدم تخريجه حديث عبدالله بن ثعلبة العذري عن ابن عمر.
(٢٠) لا خلاف بين العلماء، أن مقدار الفطرة من الشعير صاع، ومن التمر صاع، وإنما الخلاف في البر، والزبيب، فعند الشَّافِعِي ومالك واحمد: صاع من كل واحد منهما، كالشعير، والتمر، واحتجوا بما أخرجه الْبُخَارِيُ ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب "وقالوا والطعام هو البر، بدليل ذكر الشعير معه.
وعند أبي حنيفة: في البر نصف صاع في الروايات كلها، وهو مذهب أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي في رواية، وابن عباس في رواية، واستدلوا بما رَوَاهُ عن ابن عمر: " كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- صاعاً من شعير، أو تمر، أو سُلْتٍ، أو زبيب، فلما كان عمر، وكثرت الحنطة، جعل نصف صاع حنطة، مكان صاع من تلك الأشياء ".
يُنْظَر: (الاستذكار (٣/ ٣٦٨، ٢٦٩) الإجماع لابن المنذر (١/ ٤٧)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٤٢، ١٤٣)، التمهيد (٤/ ١٣٥)، الْمُغْنِي (٢/ ٦٥٢)، الْحَاوِي (٣/ ٣٧٩، ٣٨٠)، الْمَجْمُوع (٦/ ١٤٢)، الإنصاف (٣/ ١٢٧).
(٢١) هو: سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد، صحابي، كان من ملازمي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وروى عنه أحاديث كثيرة، غزا اثنتي عشرة غزوة، وله ١١٧٠ حديثا، توفي في المدينة، (ت ٧٤ هـ).
يُنْظَر: الاستيعاب (٢/ ٦٠٢)، صفة الصفوة (١/ ٧١٤)، الثقات (٣/ ١٥٠).
(٢٢) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب (١٤٣٧). ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (٩٨٥).
(٢٣) الصاع والصِواع بالكسر وبالضم: الذي يكال به وتدور عليه أحكام المسلمين .. وهو أربعة أمداد، كل مد رطل وثلث، والصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي -عليه الصلاة والسلام-، اختلف العلماء في مقدار الصاع فقال أبو حنيفة، ومُحَمَّد: ثمانية أرطال بالبغدادي وقال مالك، والشَّافِعِي، وأحمد بن حنبل: خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي، وهو مذهب أهل الحجاز.
والرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهماً، وأربعة أسباع درهم. وقيل (): مائة وثمانية وعشرون درهماً.
ومقدار الصاع عند الحنفية: ٤ أمداد = ٨ أرطال = ٥٧، ١٠٢٨ درهماً = ٣٦٢، ٣ لتراً = ٥، ٣٢٦١ غراماً، ومقداره عند غير الحنفية: ٤ أمداد = ٣/ ١، ٥ رطلاً = ٧، ٦٨٥ درهماً = ٧٤٨، ٢ لتراً = ٢١٧٢ غراماً.
يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (١/ ٢٧٠)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٣٩)، الأصل (٢/ ٣٢٣)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٣)، القاموس المحيط (١/ ٩٥٥)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٥١٨)، لسان العرب (١٣/ ٤١٥)، معجم لغة الفقهاء (١/ ٤٦٠)، الاستذكار (٣/ ١٣٢)، الْحَاوِي (٣/ ٣٨٢)، الْمُغْنِي (١/ ٢٥٤)، البناية (٣/ ٥٨٩).
(٢٤) هو: أبو الحسن عبيدالله بن الحسن البغدادي الكرخي الفقيه الشيخ الإمام الزاهد، مفتي العراق وشيخ الحنفية، حدث عنه أبو بكر الرازي، وإليه انتهت رئاسة المذهب، وانتشرت تلامذته في البلاد (ت ٣٤٠ هـ). يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (١٥/ ٤٢٦)، البداية والنهاية (١١/ ٢٢٤ - ٢٢٥)، الجواهر المضية (١/ ٣٣٧).
(٢٥) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٠٤).