للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن مروانَ بن الحَكَمِ (١): أنهُ كتب إلى أبي سعيدٍ الخدري يسألهُ عن صدقةِ الفِطْرِ؟ فقال: "كنا نخُرِجُ على عهدِ رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- صاعًا مِنَ الطعام، صاعًا من التمرِ، أو صاعًا من شعيرٍ" (٢)، فيحملُ أنّ الراوي لم يسمعْ التفسيرَ، وظنَّ الطعامَ حِنَطةً، ينقلُ بالمعنى، ويقيُسه على كفارةِ الأذى نقلهُ أنها وظيفةُ المسكينِ ليومهِ، وليس البّرُ نظيرَ التمرِ، والشعيرِ] فإن التمرَ يشملُ الشعيرَ على ما ليسَ بمأكولٍ (٣)، وهو النواةُ، وِالنخالةُ، وعلى ما هو مأكولٌ.

فأما البُّرُ، فمأكولُ كُلُّهُ، فإنَّ الفقيرَ يمكنهُ أَكْلُ دقيقِ الحِنطةِ بنخِالتهِ بخلافِ الشعيرِ أنه والتمر، أي: (أنّ الزبيبَ، والتمرَ يتقاربان في المقصودِ) (٤)، وهو التفكُّهُ، والاستخلاءُ فإنهُ يشبهُ التمَر من حيثُ إنّهُ/ هو مأكولٌ، وله عُجْمٌ، وثفروق (٥) كما للتمرِ نُواةٌ، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله-، ولأِنّهُ مثلُ التمرِ بلْ أنقصُ؛ لأنُه ليس نقدًا، ولكنه فاكهةً، فصارَ التقديُر منهُ بصاعٍ أولى وله أنه،] والبُر (٦)، أي: أنّ الزبيبَ، والبُرَ يتقاربان في المعنى؛ لأنّ كُلَّ واحدٍ منهما مأكولٌ كُلُّهُ، فكما يتقدُر منِ البُرُ بنصفِ صاعٍ بهذا المعنى، فكذلك من الزبيبِ، والأثرُ فيه شاذ (٧)، وبمثلهِ لا يثبتُ التقديُر فيما تعمُّ به البلوى (٨)؛ لأنه لو كان صحيحًا لاشتْهر بعملهم به، وكان أبو بكر الأعمشُ -رحمه الله- (٩) لا يثبتُ الاختلافُ بينهم في الحقيقةِ (١٠)، ويقولُ: إنّ أبا حنيفةَ -رحمه الله- إنما قالَ ذلك لما رأى للزبيبِ عزةً في زمانهِ كما للحنطةِ، ولم يُرِيَا ذلك، كذا في "المَبْسُوط"، و"الفوئد الظهيرية" (١١).


(١) هو: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي أبو عبد الملك وهو بن عم عثمان وكاتبه في خلافته يقال ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع وروى عن غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال بن طاهر هو أول من ضرب الدنانير الشامية وكتب عليها قل هو الله أحد توفي في شهر رمضان سنة خمس وستين.
يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (٦/ ٢٥٧، ٢٥٨).
(٢) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في السنن والآثار (٦/ ١٩٥).
(٣) في (ب): (فإن التمر أو الشعير يشتمل على ماليس بماكول).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٦).
(٥) الثُّفْروقُ بالضمِ: قِمَعُ التَّمْرَةِ أو ما يَلْتَزِقُ به قِمَعُها. يُنْظَر: القاموس المحيط (ص: ١١٢٥).
(٦) سقطت في (ب).
(٧) الشاذ هو: الذي يتفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. انظر: التقييد والْإِيضَاحِ شرح مقدمة ابن الصلاح (ص: ١٠٢).
(٨) البلوى في اللغة: مثل البلاء، والبلية، والبلوة: اسم بمعنى الامتحان والاختبار، تقول: بلاء الله بخير أو شر يبلوه بلواً، وأبلاه، وابتلاه ابتلاءً أي امتحنه واختبره " كما في " المصباح المنير " (١/ ٦٢)، و" القاموس المحيط " ص (١٦٣٢).
وفي الاصطلاح: هو ما يحتاج إليه الكل حاجة متأكدة تقتضي السؤال عنه، مع كثرة تكرره وقضاء العادة بنقله متواتراً. يُنْظَر: التحبير شرح التحرير (٤/ ١٦١٥)، و" كشف الْأَسْرَارِ " (٣/ ٢٤).
(٩) هو: سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو مُحَمَّد، الملقب بالأعمش، تابعي، مشهور، أصله من بلاد الري، ومنشأه ووفاته في الكوفة، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض، قال الذهبي: كان رأسا في العلم النافع والعمل الصالح، وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام (ت ١٤٨ هـ).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (٦/ ٢٢٨)، تهذيب التهذيب (٤/ ١٩٥)، صفة الصفوة (٣/ ١١٧).
(١٠) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٧)، الجوهرة النيرة (١/ ١٦٤).
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٤، ٢٠٥).