للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأَولى أنْ يراعيَ فيهما، أي: في الدقيقِ، والسويقِ القدرِ، والقيمةِ احتياطًا، حتى إنْ كانَ منصوصًا عليهما ينادي باعتبار القدرِ، وإنْ لم يكنْ منصوصًا عليهما يتأدّى باعتبارِ القيمةِ، وتفسيرهِ: أنْ يؤُدِّي نصف صاعٍ من دقيقِ البُرِ، ولكنْ تبلغُ قيمتُه قيمةَ نصفِ صاعٍ من البُر، وأمّا لو أدَّى منًا ونصفًا من دقيق البُر تبلغُ قيمتَه قيمةَ] نصفِ صاعٍ من البُر (١) أو أدَّى نصفَ صاعٍ من دقيقِ البُر، ولكنْ لا تبلغُ قيمتُه قيمةَ نصفِ صاعٍ من البُر لا يكون عاملًا بالاحتياط، وإنْ نصَّ على الدقيقِ في بعضِ الأخبارِ، وهو ما رَوى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قال: «أدُّوا قبلَ خُروجِكم زكاةَ فِطْرِكم، وأنّ على كُلِّ مسلمٍ مدّينِ منْ قمحِ أو دقيقٍ» (٢)، كذا في "المَبْسُوط" (٣).

ولم يبينْ ذلك في الْكِتَابِ، أي: احتياط المراعاةِ فيها بالقدر، والقيمةُ اعتبارًا للغالبِ، فإنّ الغالبَ أنَّ قيمةَ نصفِ صاعٍ من الدقيقِ، يساوي نصفَ صاعٍ من البُرِ، أو يزيدُ فلذلك لم يسنه، ولكنّ غيرَه متوهمٌ، وهو أنْ لا تبلغُ قيمةُ نصفِ صاعٍ من دقيقِ البُرِ قيمةَ نصفِ صاعِ من البُرِ بأنْ كانَ وقتُ البذر مثلًا، فلذلك كانَ الأحوطُ ما قلنا حتى أنهُ إذا كان هكذا، وهو أَنْ لا تبلغ قيمةُ نصفِ صاعٍ من الدقيقِ قيمةَ نصفِ صاعِ من البُرِ ينبغي أن يزيدَ من الدقيقِ إلى أنْ تبلغ قيمتهُ قيمةَ نصفِ صاعٍ من البرُ والخبزُ تعتبر فيه القيمةُ هو الصحيح] هذا احتراز عن قولِ بعض المتأخرين، فإنّ منهم مِنْ قال: يجوزُ باعتبار العين (٤) فإنه إذا أدّى منوين من خُبزِ الحِنطةِ يجوزُ؛ لأنهُ لما جازَ منَ الدقيقِ، والسويقِ باعتبار العينِ فمِنَ الخُبزِ أجوز؛ لأنهُ أنفعُ للفقيرِ، ومنهم مَنْ قال: لا يجوزُ إِلاَّ باعتبارِ القيمةِ، وهو الصحيحُ؛ لأنهُ لم يَرِدْ شيءٌ في الخبزِ مِنَ النصوصِ فكانَ بمنزلةِ الذرةِ، والجاورس (٥) (٦). كذا في مختلفاتِ المغِنى (٧)، ثُمَّ وجُه ترجيحِ القيمةِ بالصحةِ، ما ذكرهُ شيخُ الإسلامِ (٨): هو أنَّ الخبزَ، وإن كان نظيرَ الحِنطةِ منْ حيثُ القوتِ، فليس نظيرَها مِن حيثُ القدرِ؛ لأنّ الحِنطَةَ كيليةٌ، وهذا موزونٌ فإذا انعدمَ الكيلُ لا يجوُز إِلاَّ باعتبار القيمةِ، كذا ذَكَره الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله- (٩) وحاصله: أنّ فيما هُو منصوصٌ لا تعتبُر القيمةُ حتى لو أدّى نصفَ صاعٍ من تمر تبلغ قيمتهُ قيمةَ نصفِ صاعٍ من بُر أو أكثَر لا يجوزُ؛ لأن في اعتبارِ القيمةِ هنا إبطالُ التقديرِ المنصوصِ في المؤدَّى، وذلك لا يجوزُ فأمّا ما ليس منصوصٌ عليه، فإنهُ يلحقا بالمنصوص باعبتار القيمةِ؛ إذ ليس فيه اعتبارُ التقديرِ المنصوصِ، كذا في "المَبْسُوط" (١٠).


(١) سقطت في (ب).
(٢) أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة (١٢/ ٣٠٤) ورَوَاهُ المتقي الهندي في كنز العمال (٢٤٥٥٧ - ٨/ ٦٤٧) ولم أقف له على حكم.
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ٢٠٥).
(٤) سقطت في (ب).
(٥) الجَاوَرْسُ: بفتح الواو حبّ يشبه الذرة، وهو أصغر منها وقيل: نوع من الدخن، يُنْظَر: القاموس المحيط (١/ ١٥٤١)، المصباح المنير (١/ ٩٧).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٣/ ٢٠٥).
(٧) بحثت عن هذا الْكِتَاب الذي يحيل له المؤلف ولم أجده، كما أنه لم يذكر هذا الْكِتَاب في شروح الهِدَايَة الأخرى، ولعله مفقود.
(٨) يُنْظَر: الجامع الصغير للشيباني (ص ١٣٦).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٠٦)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٢).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٧).