للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ يعتبرُ نصفَ صاعٍ من بُرِ وزنًا. هكذا رواهُ أبو يُوسُف عن أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (١)، فوجهه: أنّ العلماءَ حين اختلفوا في مقدارِ الصاعِ أنه ثمانيةُ أرطالٍ، أو خمسةُ أرطالٍ، وثلثُ رطلٍ، فقد اتفقوا على التقديرِ بما يُعْدِلُ بالوزنِ فإنما يقعُ عليه كيلُ الرطل، وهو وزُنه. قال ابن رستم (٢): عن مُحَمَّد -رحمه الله-: كيلًا حتى قال: قلتُ: له لو وَزَنَ الرجلُ مِنوين من الحنطةِ، وأعطاها الفقيرَ هل يجوزُ مِنْ صدقته؟ فقال: لا قد تكون الحِنَطةُ ثقيلة الوزنِ، وقد تكون خفيفةً، فإنما يعتبرُ نصفَ الصاعِ كيلًا، ووجهه أنّ الآثارَ جاءتْ في التقديرِ بالصاعِ، وهو اسمٌ للمكيال، كذا في "المَبْسُوط" (٣).

(ثمانيةُ أرطالٍ بالعراقي) (٤) العِراقي] علم صاع كل رطل عشرون أستارًا [وكانَ ذلك

الصاعُ قد فُقِدَ فأخرجه الحجاج (٥)، وكان يمنُّ على أهلِ العراقِ يقول في خطبته: يا أهلَ العراقِ، يا أهل الشِقَاقِ والِنفِاقِ، ومساوئِ الأخلاقِ ألمْ أُخرِجْ لكمْ صاعَ عُمر؟ ولذلك سمُيَ حجاجيًّا، وهو صاعُ العراقِ (٦) حينئذٍ صاعنا أصغر الصيعان (٧)، وهذا أصغر؛ لأن خمسةً أرطال/ وثُلثَ رَطْلِ أصغُر بالنسبة إلى ثمانية أرطالِ (٨)، وعن أبي يُوسُف -رحمه الله-: أنه لما دخلَ المدينةَ عام الحجِ سألهم عن صيعانهم؟ فقالوا: خمسةُ أرطالٍ، وثلثُ رطلِ، فطالبهم بالحَجةِ، فقالوا: غدًا فجاء سبعونَ شيخًا من الغدِ، كُلُّ واحدٍ منهم أخذَ صاعَهُ تحتَ ردائهِ، فقال: هذا صاعي ورثته عن أبي، وورث أبي عن جُدِّهِ حتى انتَهوا به إلى رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام-، فرجعَ أبوُ يُوسُف -رحمه الله- عن قولِه (٩). وأما علماؤُنا فقد احتج] محمد (١٠) لهم بما رَوى لنا أستاذنا القاضي] الإمام (١١) أبو جعفر الأستروشني (١٢)، عن القاضي الخليل بن أحمد (١٣) بإسناده عن عائشةَ -رضي الله عنها- أنها قالتْ:» مضتْ السُّنةُ عن رسولِ الله -عليه الصلاة والسلام- في الاغتسالِ عن الجنابةِ صاع، والصاعُ: ثمانيةُ أرطالٍ، وفي الوضوء رطلان» (١٤).


(١) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٣٩). بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٣).
(٢) هو: إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، من مَرْو الشاهجان، فقيه حنفي من أصحاب مُحَمَّد بن الحسن، أخذ عن مُحَمَّد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع. وثقه بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث، من تصانيفه: "النوادر" كتبها عن مُحَمَّد.
يُنْظَر: (الجواهر المضيئة: ١/ ٣٨)، و (الفَوَائِد البهية: ص ٩).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ٢٠٥).
(٤) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(٥) هو: أبو مُحَمَّد الحجاج بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر الثقفي. قال ابن قتيبة: هو من الأجلاف. قال: وكان أخفش، دقيق الصوت، تولى قتال ابن الزبير -رضي الله عنه-، فقهره على مكة والحجاز، وقتل ابن الزبير وصلبه بمكة سنة ثلاث وسبعين، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، وكان يصلى بالناس، ويقيم لهم الموسم، ثُمَّ ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، توفى بواسط ودفن بها، سنة خمس وتسعين.
يُنْظَر: (وفيات الأعيان: ٢/ ٢٩)، و (المحبر: ص ٤٧٥)، و (تهذيب الأسماء: ١/ ٢١٢).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٩٧)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٠).
(٧) هذا جزء من حديث قاله أهل المدينة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ونصه: " عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله صاعنا أصغر الصيعان، ومدنا أصغر الأمداد، فقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وقليلنا وكثيرنا، واجعل مع البركة بركتين)، أخرجه ابن حبان في صحيحه (٩/ ٦٠)، باب فضل المدينة، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقال الأرنؤوط في تعليقاته على أحاديث ابن حبان: إسناده صحيح ا. هـ. و قال الزيلعي في نصب الراية (٢/ ٤٢٨): غريب ا. هـ.
(٨) يُنْظَر: تاريخ الإسلام: (٥/ ٣٢٠).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٣/ ١٦٢).
(١٠) سقطت في (ب).
(١١) سقطت في (ب).
(١٢) هو: مُحَمَّد بن محمود بن حسين أبو الفتح، مجد الدين الأسروشني، وقيل: الأستروشني نسبة إلى "أسروشنة"، وهي بلدة في شرقي سمرقند، فقيه حنفي، أخذ عن أبيه، وعن صاحب الهِدَايَة، وعن السيد ناصر الدين السمرقندي، وظهير الدين مُحَمَّد بن أحمد الْبُخَارِي وغيرهم. من تصانيفه: "الفصول" في المعاملات، و"جامع أحكام الصغار" في الفروع، و"الفتاوى"، و"قرة العينين في إصلاح الدارين".
يُنْظَر: (الفَوَائِد البهية: ص ٢٠٠)، و (معجم المؤلفين: ١١/ ٣١٧)، و (اللباب في تهذيب الأنساب: ١/ ٥٤).
(١٣) هو: الخليل بن أحمد بن مُحَمَّد بن الخليل، أبو سعيد السجزي، المعروف بابن جنك فقيه، حنفي، قاض. كان شيخ أهل الرأي في عصره، وكان صاحب فنون في العلوم. طاف الدنيا شرقاً وغرباً وسمع الحديث. ومات قاضياً بسمرقند.
يُنْظَر: (شذرات الذهب: ٣/ ٩١)، و (الأَعْلَام للزركلي: ٢/ ٣١٤)، و (معجم المؤلفين: ٤/ ١١٣).
(١٤) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (٨٩٢ - ١/ ١٩٥)، والدَّارقُطنيّ في سننه (٢/ ١٥٣). قال ابن الملقن في البدر المنير (٢/ ٥٩٥): قال المنذري في القطعة التي له على (المهذب»: حديث حسن ورجاله كلهم ثقات.