للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدلّ نصُّ تفسيرِ الصاعِ على ما قلنا، ودلَّ الوضوءُ برطلينِ أيضًا؛ لأنهُ ثبتَ بالأخبارِ أنّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- كانَ يتوضأُ بالمدِّ، فَعِلَمَ أنَّ رطلين هو المدِّ، والمدُّ ربعُ الصاعِ بالإجماعِ (١)، فأمّا حديثُ أبي يُوسُف -رحمه الله- فَوَهْمٌ؛ لأنّ مُحَمَّد بن الحسن هو أعلمُ بمذهبهِ، وهو لمَ يحك عنه رجوعًا على أنّ الأمرَ إنْ كانَ على ما حكى فهو حجُتنا؛ لأنّ رطلَهم ثلاثون أستارًا، ورطلُ العراقِ عشرونَ أستارًا (٢)، وخمسةُ أرطالٍ، وثلثُ رطلٍ كُلُّ رطلٍ ثلاثون أستارًا في ثمانيةِ أرطالِ، كُلُّ رطلٍ عشرون أستارًا سواء، كذا في "الْأَسْرَارِ" (٣). ثُمَّ لابُدَّ من معرفةِ الصاعِ الذي يُقدرِ الحنطةَ بنصفهِ، والشعيرَ بِكُلِّه. قال الطحاوي -رحمه الله- (٤): ثمانيةُ أرطالٍ بما يستوي كيلُه ووزُنُه، والذي يستوي كيلَه ووزُنه العدسُ، والماشُ فإذا كانَ يسعُ ثمانيةَ أرطالٍ منَ العَدَسِ، والماشِ فهو الصاعُ الذي تُكالُ به الحنطةُ، والشعيرُ، والتمرُ. كذا ذكره الإمام الولوالجي وغيره (٥)، (وهو أصغُر مِن الهاشمي) (٦)؛ لأنّ الصّاعَ الهاشميَ اثنان وثلاثون رطلًا أو العرِاقي ربعه، والهاشميُ علم للصاع أيضًا كالعراقي. كذا وجدت بخطِّ شَيْخِي -رحمه الله- (٧).

(ووجوبُ الفِطْرِة يتعلقُ بطلوعِ الفجرِ من يومِ الفِطْرِ) (٨)، أي: يتعلقُ تَعلُقَ وجوبِ الأداءِ بالشرطِ، لا تَعلُقَ وجوبِ الأداءِ بالسببِ؛ إذ الفِطْرِ شرطُ وجوبِ الأداءِ لا سببه لما ذكرنا، وتظهرُ ثمُرة ذلك بمسألتين: أحديهما أنّ الرجلَ إذا قالَ لعبدهِ: إذا جاءَ يومُ الفِطْرِ فأنتَ حُرٌّ، فجاءَ يومُ الفِطْرِ عتق العبد، ويجبُ على المولى صدقةُ فِطْرِه قبلَ العتقِ بلَا فَصْلٍ (٩).


(١) حكى الإجماع النووي ونقله الشوكاني عن صاحب البحر. يُنْظَر: شرح النووي على مسلم (٨/ ٣٥٩)، الْإِيضَاحِ والتبيان ص (٦٣) نيل الأوطار (٤/ ٦٥٨).
(٢) تقدم تعريفه.
(٣) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٠).
(٤) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٣)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٦٦).
(٥) يُنْظَر: الفناوى الولواجية (١/ ٢٤٧).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٧).
(٧) يقصد الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٧).
(٨) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٨).
(٩) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٩٧).