للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقالَ مالكُ -رحمه الله- (١): في الإطلاقِ إنْ كانَ يعلمُ أنَّ اليومَ مِن رمضانَ، ونوى النفلَ لم يكنْ صائماً، وإنْ كانَ لا يعلمُ جازَ صومُهُ عن النفلِ؛ لأنَّ الخطابَ بأداءِ الفرضِ لا يتوجهُ عليهِ إِلاَّ بعدَ العِلْم بهِ، وقال ابْنُ أبي لَيْلَى -رحمه الله- (٢): إنْ كانَ يعلمُ أنَّ اليومَ منْ رمضانَ جازَ صومُهُ عن الفرضِ، وإنْ كانَ لا يعلمُ لم يكنْ صائماً؛ لأنَّ قصدَّهُ عندَ عَدَمِ العِلْم كانَ إلى أداءِ النفلِ، والنفلُ غيرُ مشروعٍ في هذا اليومِ فهو كنيةِ أداءِ الصَّوْم في الليلِ لغو لِكَوْنِهِ غيرُ مشروعٍ فيه. كذا في «المَبْسُوط» (٣).

قولُه -رحمه الله- (٤): (ونيتُهُ واجبٌ آخر) (٥) مستقيمٌ في صومِ رمضانَ، وأمَّا في النَّذْرِ المعَّينِ فلا؛ لأنهُ يقعُ عمّا نوى مِن الواجبِ إذا كانتْ النيةُ منَ الليلِ هو عابثٌ، يعني: لا يكونُ صائماً أصلاً لا فرضاً، ولا نفلاً، وفي مطلقِها له قولان: معناهُ يقُع عندِ الإطلاقِ عن فرضِ الوقتِ في قولٍ لا يقعُ عنهُ فوجهُ القولِ الذي لا يقعُ: هو أنَّ صفةَ الفرضيةِ قُرْبَةٌ كأَصْلِ الصَّوْم، فكما لا يتأدَّى أصلُ الصَّوْم إِلاَّ بالنيةِ فكذلك الصفةُ، وبانعدامِ الصفةِ ينعدمُ الصَّوْم ضرورةً، وعلى هذا إذا أطلقَ النيةَ لا يجوزُ، والثاني: (أن بنيةِ النّفلِ صارَ مُعْرِضاً عن الفرضِ) (٦) لما بينَهُما من المغايرةِ، فصارَ كإعراضِهِ بِتْركِ النية، ولا يجوزُ أن يصير ناويا للصوم المشروعِ في هذا الوقتِ بنيةِ] النفل (٧)، فإنهُ لو اعتقدَ المشروعَ في هذا الوقتِ أنهُ نَفْلٌ يَكْفُرُ، وعلى هذا إذا أطلقَ النيةَ يجوزُ؛ لأنهُ ما صارَ تعرضَ بهذه النيةِ (٨)، ولنا حديثُ علي (٩)، وعائشةَ (١٠) -رضي الله عنهما-: أنهما كانا يصومانِ يومَ الشكِّ، وكانا يقولان: «لِأَنْ نَصومَ يوماً مِن شعبانَ أحبُّ إلينا مِنْ أنْ نُفْطَرِ يوماً مِنْ رمضانَ» (١١)، وإنما كانا يصومان بنيةِ النفلِ لإجماعِنا (١٢) على أنهُ لا يباحُ صومُ يومِ شكِّ بنيةِ الفرضِ، فلولا أنَّ عندَ التبيُّنِ يجوزُ الصَّوْم عن الفرضِ لم يكنْ هذا التحرزُ منهما مَضَى، ثُمَّ معنى القربةِ في أصلِ الصَّوْم يتحققُ لبقاءِ الاختيارِ للعبدِ فيهِ، ولا يتحققُ في الصفةِ؛ إذ لا اختيارَ لهُ فيها فلا يتُصورَ منه إبدالُ هذا الوصفِ بوصفٍ آخرَ في هذا الزمانِ، فيسقطُ اعتباُر نيةِ الصفةِ، ونيةِ] النفل (١٣) لغوٌ بالاتفاقِ (١٤)؛ لأنّ الفعلَ غيرُ مشروعٍ في هذا الوقتِ، والإعراضُ عن الفرضِ يكونُ بنيةِ النفلِ فإذا لَغَاَ نيةَ النفل لم يتحققِ الإعراضُ، وهو نظيرُ الحجِّ على قولهِ، وبهِ يَبطُل قولُهُ: إنه لو اعتقَد فيهِ أنّهُ نَفْلَ يكفرُ إذا صامَ المريضُ، والمسافرُ بنيةِ واجبٍ آخَر يقعُ عنه، أي: يقُع عمّا نوى (١٥).


(١) يُنْظَر: التلقين (١/ ٧٢)، الكافي لابن عبدالبر (١/ ٣٣٦).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٠٩).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٠٩).
(٤) هو صاحب الهِدَايَة -رحمه الله-. يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٨).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٨).
(٦) يُنْظَر: المرجع السابق (١/ ١١٨).
(٧) في (أ) الفعل وفي (ب) (النفل) وقد اثبت مافي (ب) لموافقته السياق.
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٠٨).
(٩) أخرجه الْبَيْهَقِي في سننه (٤/ ٢١٢) عن علي -رضي الله عنه-، باب الشهادة على رؤية الهلال.
(١٠) أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة -رضي الله عنها- (٤١/ ٤١٩)، والْبَيْهَقِي في سننه (٤/ ٢١١)، باب من رخص من الصحابة في صوم يوم الشك، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (٤/ ١١)، وتمامه: " لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إليّ من أن أفطر يوما من رمضان ".
(١١) رَوَاهُ أحمد في مسنده (٢٤٩٨٩ - ٦/ ١٢٥)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (٨٢٢٧ - ٤/ ٢١١)، (٨٢٣٨ - ٤/ ٢١٢)، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
(١٢) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٥).
(١٣) في (أ) (الفعل) وفي (ب) (النفل) وقد أثبت مافي (ب) لموافقته السياق.
(١٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١١١)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٣٦).
(١٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١١٠).