للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: هذهِ المسألةُ وقعتْ في كتبنا من نسخِ المباسيط (١)، والتُّحفةِ (٢)، والمنظومةِ (٣)، وغيرِهُا على خلافِ ما وقعتْ في كتبِ أصحابِ الشَّافِعِي (٤)، فإنَّ الغزالي ذَكَرَ في وجيزِهِ: والصَّوْم أحبُّ مِنَ الإفطارِ في السفرِ ليُبرِئَ ذِمَتَهُ، وذَكَر في خلاصتهِ (٥): ومهما بلغَ السفُر مرحلتين جِاز الفِطْرُ، والأفضلُ الصَّوْم معِ الطاقةِ، (ولنا أنَّ رمضانَ أفضلُ الوقتين، فكانَ الأَدَاءُ فيهِ أَولى) (٦)، ولا يَشْكُلُ على أحدٍ أنَّ رمضانَ أفضلُ الأوقاتِ، ألا ترى أنَّ عِدَّةً مِنْ أَيامٍ أُخَر كالخَلَفِ عن رمضانَ، والخَلَفُ] لا يساوي (٧) الأصلَ بحالٍ.

والنبيُّ/ -عليه الصلاة والسلام- اختارَ لنفسهِ الصَّوْم في السفرِ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّخصةَ عندَ شَكْواهُمْ، الجَهدُ دليلٌ على أنّ الصَّوْم أفضلُ (٨)، كذا في مبسوطِ فَخْرُ الْإِسْلَام (٩)، وما رواهُ مُحمولٌ على حالِ الجَهدِ بالفتح، أي: المشقةُ على ما ذكرنا بيانه من «المَبْسُوط» (١٠) آنِفًا فإنْ قُلْتَ: هذا الذي ذَكَره مِنْ وجهِ الحَمْل مخُالفٌ لأصْلنِا، فإنَّ الأصلَ عِنْدَنَا أنْ لا يخصَّ العامَ بسببهِ لَمِا عُرِفَ فيهِ مسألةُ (١١)، واللهِ لا أتغدّى اليومَ؛ لأنَّ العبِرةَ عِنْدَنَا لعمومِ اللفظ لا لخِصُوُصِ السببِ ألا ترى أنَّ آيةَ الظِّهارِ، واللعانِ في قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (١٢) الآية، وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (١٣) الآية، لم يختصْ بصاحبِ الحادثةِ فكيفَ اختصَّ في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ليسَ مِنَ البرِّ الصِّيَامُ في السفرِ» (١٤).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٦٥).
(٢) تحفة الفقهاء لعلاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المتوفى سنة (٥٣٩ هـ) والكتاب طبعته دار الكتب العلمية ببيروت سنة ١٤٠٥ هـ.
(٣) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٥٩)، الاستذكار (٣/ ٣٠٣)، المهذب (١/ ١٧٨).
(٤) يُنْظَر: شرح الوجيز (٦/ ٤٢٥).
(٥) يُنْظَر: الخُلَاصَة الغزاليَّة (١/ ٢١٧).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٦).
(٧) في (ب) (لايستوي).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٥١).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٦٦).
(١٠) المصدر السابق.
(١١) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٣/ ٣٢٩).
(١٢) سورة المجادلة، الآية (٣).
(١٣) سورة النور، الآية (٦).
(١٤) سبق تخريجه ص (٣٤٣).