للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وهذهِ المسألةُ على وُجوهٍ ستةٍ) (١): ففي الثلاثةِ الأَولِ يكونُ نذرًا بالإجماعِ (٢)، وهي ما إذا لم ينوِ شيئًا أو نَوى النذَر لا غيرَ أو نوى النْذَر، ونوى أنْ يكونَ يمينًا، وفي الواحدِ يكونُ يمينًا بالإجماعِ (٣)، وهو ما إذا نوى اليمينَ، ونوى أنْ لا يكونَ نذرًا، وفي الاثنين على الخلافِ، وهو أن ينويَهما يكونُ نذرًا، ويمينًا عندَهما، وعند أبي يوسفَ يكونُ نذرًا (٤)، ولو نوى اليمينَ لا غيرَ فكذلك عندَهمُا (٥)، وعند أبي يوسفَ -رحمه الله- يكونُ يمينًا، ثُمَّ مُوجبُ النذْرِ الوفاءُ بالمنذُوْرِ، ومُوجِبُ اليمينِ الِبرِّ، وإنْ حَنَثَ فالكفارةُ، فوجْهُ قولِ أبي يوسفَ -رحمه الله- (٦) أنَّ حُكْمَ النذرِ مخالِفُ لحِكُمْ اليمين، فلا يجتمعانِ في كلامٍ واحدٍ (٧) كقولهِ لامرأتهِ: أنتِ عليَّ حرامٌ إنْ نوى بهِ الطلاقَ كانْ طلاقًا، وإنْ نوى به اليمينَ كانَ يمينًا، ولا يجتمعانِ وإنْ نَوَاْهُما ووجهُ قولهِما (٨): إنّ هذا تحريمَ الحلالِ، وهو الأكلُ لكنّ إيجابَ الصَّوْم مِقصودٌ، وتحريُم الأكلِ غيرُ مقصودٍ، ولكنْ يلزمُ ضِمنًا لذلكَ فإذا نواهمُا اعتبرَ كونهُ مقَصورًا بصيغتهِ، واعتبرَ كونهُ يمينًا بمعناهُ، كالإقَالةِ فسخَ في حقِّهمِا بصفتِها بَيْعٌ في حقِّ الثالثِ بمعناهُ. كذا في «المَبْسُوط» (٩)، و «الجامع الصغير» للإمام التُّمُرْتَاشِي -رحمه الله- (١٠).

قولُهُ -رحمه الله-: (لَا تنافي بينَ الجِهتين) (١١)، أي: بينَ جهتي اليمينِ، والنذرِ (لأنهما يقتضيان الوجُوب) فجازَ أنْ يكونَ الشيءُ واجِبا لعينهِ، وواجبًا لغيرِهِ، كما إذا حَلَفَ، واللهِ لأُصَلِّيَن ظُهرَ هذا اليومِ إِلاَّ أنَّ النذْرَ يقتضيهِ، أيْ: يقتضي الوجُوبَ لعينهِ، وهو وفاءُ المنذورِ بقولهِ تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (١٢) واليمينُ لغيرهِ وهو صِيانَةُ اسمِ اللهِ تعالى عن الهتْكَ أو صيانةِ ما أوجبهُ على نفسِهِ بالنذْرِ عن الحَلْفِ فلا يُنافي بينهما كما ذَكْرنا.


(١) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٤٢)، الهِدَايَة (١/ ١٣١).
(٢) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١٨)، حاشية ابن عابدين (٣/ ٧٣٥).
(٣) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٤٢)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٥/ ٩٢).
(٤) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٤٢)، الهِدَايَة (١/ ١٣١).
(٥) هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٤٢)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٥/ ٩٢).
(٦) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٤٢)، الهِدَايَة (١/ ١٣١).
(٧) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٤٢)، المَبْسُوط (٣/ ١٧١).
(٨) هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٥/ ٩٢)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٧٠).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٧١).
(١٠) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٢٢٢.
(١١) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٣١).
(١٢) سورة المائدة الآية (١).