للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو واد بحذاء عرفات، قيل: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه الشيطان، فكان هذا نظير النهي في ظرف الزمان في حق الصلاة بالحديث «ثلاث ساعات نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» (١) إلى أن قال: «فإنها تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَيْطَان» (٢) فكذلك في ظرف المكان، لما نُسب إلى الشيطان كره فيه فعل المناسك، وسميت عرفات بعرفات لتعارف الناس في ذلك الجمع إذا شهدوه، ويقال: إنما سميت بها؛ لأن جبريل - عليه السلام - قال لإبراهيم - عليه السلام - لما أراه المناسك: أعرفت؟ قال: نعم، وقيل: إنما سميت بها؛ لأن آدم - عليه السلام - عرف هناك حواء، وقيل: إنما سميت بذلك؛ لأن الناس يعترفون بذنوبهم فيها فحينئذٍ يغفر لهم، وسميت المزدلفة (٣) بها لاجتماع الناس فيها، ومنه قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} (٤) أي: جمعناهم، وقيل هي من الازدلاف بمعنى التقرب، ومنه قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} (٥) أي: قربت، وسميت بها لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من (٦) عرفات، وقيل: إنما سميت بها؛ لأن حواء ازدلفت إلى آدم فيها، كذا في «المناسك البزدوية (٧)» (٨).


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا] (١/ ٥٦٨) برقم: [٨٣٠]، بلفظ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا» وأخرجه أبو داود في "سننه" باب: [الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا] (٣/ ٢٠٨) برقم: [٣١٩٢]، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [مَا جَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا يُدْفَنُ] (١/ ٤٨٦) برقم: [١٥١٩]، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (١/ ٣٢٧) برقم: [١٠٤٠].
(٢) هذا الجزء متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ] (٤/ ١٢٢) برقم: [٣٢٧٢]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ] (١/ ٤٢٧) برقم: [٦١٢].
(٣) في تسمية مزدلفة بهذا الاسم أقوال منها: قيل: هي مشتقّة من الازدلاف وهو الاجتماع، وذلك لاجتماع الناس فيها، أو لاجتماع آدم وحواء فيها. وقيل: من الزّلفى وهي القُربة؛ لأن الحجاج يتقرّبون إلى الله بالوقوف فيها. وقيل: من الازدلاف وهو الاقتراب، أو التزلّف وهو التقرّب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها واقتربوا منها، أو لاقتراب الحجاج فيها من منى. وقيل: لمجيء الناس إليها في زُلَف من الليل، وزلف الليل: ساعاته. وأصل مزدلفة: مفتعِلة من الزّلفة وهي القُرب، يقال: أزلفتُه فازدَلَف، أي: قرّبته فتقرّب، والأصل ازتَلف، فأُبدل من التاء دال، ومنه (مزدلفة).
انظر: المصباح المنير (٢٥٤)، معجم البلدان (٥/ ١٢٠)، البحر العميق (٣/ ١٦٠٠)، المجموع (٨/ ٦٢٨)، طلبة الطلبة (٦٢)، القرى (١٥٤)، فتح الباري (٣/ ٥٢٣).
(٤) سورة الشعراء الآية (٦٤).
(٥) سورة الشعراء الآية (٩٠).
(٦) في (ب، ج): الإقامة.
(٧) مخطوط للإمام فخر الإسلام أبي الحسن علي بن محمد الشهير بأبي العُسر البزدوي الحنفي، الإمام الكبير، ت عام (٤٨٢ هـ).
انظر: كشف الظنون (١/ ٥٦٣).
(٨) انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٢٦٣).