للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: بل الرفقاء هم الذين يحرمون بطريق النيابة عنه مع أنهم أحرموا عن أنفسهم أيضًا؛ لأنه لما جرت النيابة في الإحرام عند علمائنا رجع كل واحد من الإحرامين إلى ما هو عنه، فصار الرفيق محرمًا عن نفسه بطريق الأصالة، ومحرمًا عنه أيضًا بطريق النيابة، ولكن في إحرام النيابة كان المحرم في الحكم هو المنوب لا النائب، فصار كالأب يحرم عن نفسه، وعن ابن صغير له، وذكر في «المبسوط» (١)، (وإذا أهلّ الرجل عن نفسه، وعن ابن صغير معه، ثُمَّ أصاب صيدًا فعليه دم واحد، ولا يجب عليه من جهة إهلاله عن ابنه شيء؛ لأن عبادته في إهلاله عن ابنه، كعبادة ابنه أن لو كان من أهله فيصير الابن بهذا محرمًا، لا أن يصير الأب محرمًا عنه، وبقي للأب إحرام واحد، فعليه جزاء واحد؛ بخلاف القارن فهو محرم عن نفسه بإحرامين فكان عليه جزءان).

وذكر في «المبسوط» (٢) أيضًا بعد ذكر إحرام الرفقاء عن المغمى عليه: (فإن أصاب الذي أهلّ عن المغمى عليه صيدًا، فعليه الجزاء من قبل إهلاله عن نفسه إن كان محرمًا وليس عليه من جهة إهلاله عن المغمى عليه شيء؛ لما بيّنا أن بهذا الإهلال يصير المغمى عليه محرمًا كما لو أمره به إفصاحًا، فأما المهل بهذا الإهلال، فلا يصير محرمًا، فلا يلزمه الجزاء باعتبار إحرامه)

بخلاف ما لو أهلّ عن الميت بأمره، حيث يجب عليه الجزاء بذلك الإحرام، لو أصاب صيداً؛ لأنه ليس بنائب عنه في الإحرام، وإنما للميت ثواب الإنفاق، فبقي الإحرام مقصورًا عليه فيجب الجزاء، وأما تداخل الإحرامين إنما يلزم أن لو كان المحرم هو النائب في الإحرامين من كل وجه وليس كذلك، بل المحرم في إحرام النيابة هو المغمى عليه لا النائب على ما ذكرناه.

ثُمَّ قياس هذه المسألة على الوضوء من حيث إن كل واحد منهما شرط يحتمل النيابة، ولكن النيابة في حق الوضوء بالتوضئة، بأن يجري الماء على أعضاء المنوب، وفي هذا يتولى النائب الإحرام بنفسه.

فإنه ذكر في «المبسوط» (٣) (تجري النيابة في الشروط، وإن كانت لا تجري في الأعمال، ألا ترى أن المحدث إذا غسل أعضاء غيره كان له أن يصلي بتلك الطهارة، وإن كانت النيابة لا تجري في أعمال الصلاة).

عُلم بهذا أن النيابة في الوضوء هي التوضئة، ثُمَّ الحجّة بقولهما، وهو القياس؛ لأنه لم يأمر أصحابه بالإحرام وليس للأصحاب عليه ولاية بخلاف الآمر، وبخلاف الأب فلا يصير هو محرمًا بإحرامهم عنه، ولأن العادات في التلبية التولي بأنفسهم لا بالإبانة، فلا تدل المرافقة على الإنابة عادة.


(١) انظر: المبسوط (٤/ ١٦٠).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ١٦١).
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ١٦٠ - ١٦١).