للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنه لو مات بغير وصية، لم يحجوا عنه بسبب الرفقة، ولأن الإحرام لا ينعقد إلا بالنية، وقد انعدمت النية من المغمى عليه حقيقة وحكمًا؛ لأن نية الغير عنه بدون أمره لا يقوم مقام نيته، والدليل عليه: أن سائر المناسك لا تتأدى بأداء الأصحاب عنه، فكذلك الإحرام، وجه قول أبي حنيفة -رحمه الله-أنه لما عاقدهم عقد المرافقة (١)، فقد استعان بهم في كل ما يعجز عن مباشرته بنفسه، والإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحًا كما في شرب ماء السقاية، وكمن نصب القدر على الكانون، وجعل فيها اللحم، وأوقد تحتها النار، فجاء إنسان وطبخه (٢)، لم يكن ضامنًا لوجود الإذن دلالة، وإذا ثبت الإذن قام بينهم مقام نيته، كما لو كان أمرهم بذلك نصًّا، وأما سائر المناسك فالأصح أن نيابتهم عنه في أدائه صحيحًا إلا أن الأولى أن يقفوا به، وأن يطوفوا به ليكون أقرب إلى أدائه./ لو كان مفيقا (٣)، ولو أدوا عنه جاز.

ومن أصحابنا من فرق فقال: الإحرام بمنزلة الشرط، وتجري النيابة في الشروط، وإن كانت لا تجري في الأعمال -على ما ذكرنا- لما أن النيابة عند تحقق العجز، وفي أصل الإحرام تحقق عجزه عنه بسبب الإغماء، فينوب عنه أصحابه، وأما في أداء الأعمال، فلم يتحقق العجز؛ لأنهم إذا أحضروه المواقف كان هو الواقف، وإذا طافوا به كان هو الطائف، بمنزلة من طاف راكبًا بعذر، وإنما يفترق الحال بين القادر والمغمى عليه، أن القادر لو طيف به، وهو لا يشعر بأن كان نائمًا؛ لم يجز لانعدام الفعل منه حقيقة وحكمًا، لعدم الإذن، وهاهنا يجوز؛ لأن الإذن وجد دلالة بعقد المرافقة؛ لأنها تعقد الاستعانة بهم حال العجز، والإغماء (٤)، عجز لا يمكنه إزالته، بخلاف النوم فإنه لا يدوم، ويقدر على إزالته، فكان عقد الرفقة لإزالة النوم ليعمل بنفسه لا للإذن بالطواف به، كذا في «المبسوط» (٥)، و «الأسرار» (٦).


(١) في (ب): الرفقة.
(٢) في (ب): فطبخنا.
(٣) أفاق ففاق العليل إفاقةً واستفاق، والأسم: الفواق، وكذلك السكران إذا صحا، وافاق عنه النعاس: أقلع.
انظر: لسان العرب (مادة: فوق ١/ ١٢٣)، والمفيق أي الواعي لكل شئ وهو بعكس المغمى عليه.
(٤) الإغماء لغة: فقد الحس والحركة، واصطلاحاً: آفة يصير بها العقل في كلال وتتعطل بها القوى المدركة.
انظر: جامع الأسرار (٥/ ١٢٧٨)؛ التلويح (٢/ ٣٥٥)؛ عوارض الأهلية ص (٢٤٢).
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ١٦٠).
(٦) انظر: الأسرار (ص ١٣٣).