للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: ما وجه صحة قول أو جزاء صيد، وهذا الرجل إنما يصير محرمًا الآن بتقليد جزاء الصيد، فكيف يتصور جزاء الصيد قبل الإحرام؟ وإنما يجب الجزاء لجنايته على الصيد في الإحرام، فحينئذٍ يلزم الدور، ولا يوجد واحد منها لتوقف كل واحد منهما إلى الآخر.

قلتُ: هذا في حق ابتداء الإحرام في السنة القابلة، بأن قتل المحرم صيدًا حتى وجبت عليه قيمته فاشترى بتلك القيمة بدنة في سنة أخرى، وقلدها، وساقها إلى مكة. كذا ذكر العتابي (١) في «الجامع الصغير» (٢)، ويحتمل أن يراد به جزاء صيد المحرم بأن قتل الحلال بعامة في الحرم، ووجبت عليه قيمتها جزاء، فاشترى بها بدنة فقلّدها حالة الإحرام/ وتوجه معها إلى مكة يريد الحجّ صار محرمًا.

وقوله: (أو شيئاً آخر من الأشياء).

أراد به البدنة للمتعة أو للقران، وذكر في «الفوائد الظهيرية» يريد به ما وجب جبرًا [لنقائض] (٣) الحجّ، كما إذا طاف طواف الزيارة جنباً، لكن هذا إنما يظهر أثره في حق السنة القابلة على ما ذكرنا، وأصل هذا أن الشروع في الحجّ لا يحصل بمجرد النية عندنا، خلافًا للشافعي -رحمه الله-.

فإن على أظهر قولي الشافعي (٤) -رحمه الله- ينعقد الإحرام بمجرد النية، وجعل الإحرام قياس الصوم من حيث إنه التزام الكف عن ارتكاب المحظورات.

وعلى قولنا: الإحرام قياس تكبيرة الافتتاح للصلاة؛ لأن الإحرام لأداء الحجّ والعمرة، وذلك مُشتمل على أركان مختلفة كالصلاة، وكما لا يصير شارعًا هناك بالنية بدون التحريمة، فكذلك في الإحرام بخلاف الصوم، فإنه إنما يصح الصوم بمجرد النية لاتصال النية بالفعل، وهو الإمساك؛ لأنه ليس للصوم إلا ركن واحد، وهو الإمساك، وكانت النية مصادقة للمَنوِيّ، فيصح كنية الإقامة للمسافر يصير مقيمًا بمجرد النية؛ لأن الإقامة عبارة عن ترك السفر، بخلاف نيّة السفر (٥) حيث


(١) أحمد بن محمد بن عمر العتابي، نسبة إلى العتابة محلة ببخارى، الحنفي (زين الدين العتابي فقيه، مفسر توفي سنة ٥٨٦ هـ، الموافقة ١١٩٠ م ببخارى من مؤلفاته: كتاب جوامع الفقه المعروف بالفتاوى العتابية في أربع مجلدات، تفسير القرآن، شرح الجامع الكبير، شرح الجامع الصغير، وشرح الزيادات وكلها لمحمد بن الحسن الشيباني في فروع الفقه الحنفي.
انظر: الجواهر المضية (١/ ١١٤)؛ تاج التراجم (١/ ١٠٣)
(٢) انظر: العناية شرح الهداية (٢/ ٥١٤).
(٣) أثبته من (ب) وفي (أ) لقابض. ولعل الصواب ماأثبته من (ب) لموافقته سياق الكلام.
(٤) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٢١٢).
(٥) سقطتامن (ب).