للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله -رحمه الله-: (والقران أفضل من التمتع والإفراد) (١).

هذا اللفظ محتاج إلى التأويل؛ لأن الإفراد يحتمل أن يراد به إفراد الحجّ فحسب، أو إفراد العمرة فحسب، أو إفراد كل واحد منها بإحرام، وإلمام صحيح بينهما

على حِدة.

قلتُ: المراد من هذا اللفظ الثالث دون الأوَلَينِ استدلالًا بمواضع الاحتجاج، ووضع المسائل في «المبسوط» (٢) فإن الشافعي (٣) -رحمه الله- يستدل لترجيح مذهبه بقوله: (ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق).

وهذا التعليل إنما يتأتى له لو أتى بهما جميعًا منفردين، وكذلك ذكر في تعليلنا، ولأن في القران معنى الوصل، والتتابع في العبادة، وهو أفضل من إفراد كل واحد منهما كالجمع بين الصوم، والاعتكاف، وكذلك روي عن محمد -رحمه الله-

أنه قال: "حجة كوفية، وعمرة كوفية أفضل عندي من القران"، ولو اتخذ

إحرام الحجّة، والعمرة فيما ذكره محمد -رحمه الله- لكان هو عين القران فحينئذٍ

لا يصح.

قوله: (أفضل من القران).

لأن الشيء لا يكون أفضل على نفسه عُلِم به أن المراد إفراد كل واحد منهما بإحرام على حدة، ثُمَّ ظاهر مذهب أصحابنا أن القران أفضل من الذي ذكره محمد.

فعُلم بذلك أن قولهم: (القران أفضل من الإفراد) أي: من إفراد الحجّة، والعمرة بعد الإتيان بهما، لا أن يأتي بواحد منهما منفردًا فحسب، فإنه لا خلاف فيه على أن القران حينئذٍ يكون أفضل؛ لأنه على ذلك التقدير كان عين الإفراد مع زيادة شيء فكان أفضل، وكان هذا نظير قول أبي حنيفة -رحمه الله-.

(أن أربعًا أولى من اثنين)، أي: أن أربعًا أولى من اثنين اثنين على معنى أنه لو صلى أربع ركعات لكن بتسليمتين، وأما لو اقتصر على الركعتين، فلا خلاف فيه لأحد أن الأربع أولى منه، فعلم بهذا أن المراد من الإفراد إفراد الحجّة والعمرة بإحرام على حدة، وإلمام صحيح بينهما؛ لأنه لو لم يكن بينهما إلمام صحيح كان هو عين المتعة.

وقال الشافعي (٤) -رحمه الله-: "الإفراد أفضل لما روت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مفردًا بالحجّ، وإنما حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة مرة، فما كان يترك ما هو الأفضل فيما يؤديه مرة واحدة"، ولأن القران رخصة كما قال

-صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها-: «إنما أجرك على قدر تعبك (٥)» وإنما القران رخصة، والإفراد عزيمة، والتمسك بالعزيمة خير من التمسك بالرخصة ولأن الإفراد زيادة الإحرام، والسفر، والحلق، فإن القارن يؤدي النسكين بسفر واحد، ويلبي لهما تلبية واحدة، ولأجل هذا النقصان يجب عليه الدم جبرًا، والمفرد يؤدي كل نسك بصفة الكمال، وأداء النسك بصفة الكمال/ يكون أفضل من إدخال النقص، والجبر فيهما.


(١) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٨)
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٢٥).
(٣) انظر "المجموع" للنووي (٧/ ١٥١).
(٤) انظر: "المجموع" (٧/ ١٥٢)، "مغني المحتاج" (٢/ ٢٨٧).
(٥) في (ب): نصبك، أخرجه الدارقطني في "سننه" باب: [المواقيت] (٣/ ٣٥٠) برقم: [٢٧٢٩] بلفظ: «إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ»، وصححه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (١/ ٦٤٤) برقم: [١٧٣٣]، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ"، متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [أَجْرِ العُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ] (٣/ ٥) برقم: [١٧٨٧]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ] (٢/ ٨٧٦) برقم: [١٢١١].