للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلماؤنا استدلوا بحديث علي، وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وعمران بن الحصين: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرن بين الحجّ والعمرة فطاف لهما طوافين، وسعى سعيين» (١)، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كنت آخذًا بزمام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل على كتفي» وهو يقول: «لبيك بحجة وعمرة

معًا» (٢)، وأهل الحديث جمعوا رواة نُسك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فكانوا ثلاثين نفرًا، عشرة منهم يروي أنه كان قارناً، وعشرة أنه كان مفردًا، وعشرة أنه كان متمتعًا، فنوفق بين هذه الروايات، ونقول: لبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولًا بالعمرة، فسمعه بعض الناس، ثُمَّ رأوه بعد ذلك حج، فظنوا أنه كان متمتعًا، فنقلوا كما وقع عندهم، ثُمَّ لبى بعد ذلك بالحجّ، فسمعه قوم آخرون، فظنوا أنه مفرد بالحجّ، ثُمَّ لبى بها فسمع قوم آخرون فعلموا أنه قارن، وكلٌ نقل ما وقع عنده، وهو نظير ما روينا من توفيق ابن عباس في اختلاف الروايات من وقت تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ لما وقع الاختلاف في فعله يصير إلى قوله: وقد قال -صلى الله عليه وسلم- «أتاني آت من ربي، وأنا بعقيق (٣) فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك ركعتين فقل لبيك بحجة وعمرة معًا» (٤)، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «يا آل محمد أهلّوا بحجة وعمرة معًا» (٥)، ولأن في القران معنى الوصل والتتابع في العبادة، والجمع بين العبادتين أفضل من إفراد كل واحد منهما.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" باب: [فِي الْقَارِنِ مَنْ قَالَ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ] (٣/ ٢٩١) برقم:
[١٤٣١٤]، بلفظ: «إِذَا قَرَنْتَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ، وَاسْعَ سَعْيَيْنِ»، وذكره ابن حبان في "صحيحه" باب: [ذكر الخبر الآخر الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طوافين ويسعى سعيين] (٩/ ٢٢٥).
(٢) أخرجه مسلم: الحج، باب (٣٤) إهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه (٢/ ٩١٥).
(٣) العقيق: وادي يقع ببطن وادي ذي الحليفة، والعقيق كل مسيل ماء شقه السيل في الأرض.
انظر: معجم البلدان (٤/ ١٣٩).
(٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ»] (٢/ ١٣٥) برقم: [١٥٣٤]. بلفظ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ».
(٥) أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٢/ ١٥٤) برقم: [٣٧٢١] بلفظ: «أَهلوا، يَا آلَ مُحَمَّدٍ، بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ». و أخرجه ابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية] باب: [بَاب وُجُوه الْإِحْرَام] (٢/ ٣٣) برقم: [٤٨٥]، وأخرجه أحمد في مسنده، (١/ ١٧٢)، برقم ٢٦٥٤٩، كما أخرجه ابن حيان برواية أحمد بن علي بن المثنى عن أبي خيثُمَّة المقري عن أبي علي سمعنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران عن أم سلمة - رضي الله عنها - بنص: " يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجه، (٩/ ٢٣١)، برقم [٣٩٢٠].