للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإن اكتفى بالنية، ولم يذكرهما في التلبية أجزأه على قياس الصلاة (١)، إذا نوى بقلبه فائتة الصلاة، وكبر على ما ذكر في الكتاب من صفة القران، ولأن مبنى القران على التداخل؛ لأنه لو لم يتداخل لما صح القران بينهما كما لا يصح القران بين صلاتين وصومين؛ لأنه لا يتصور أداء عبادتين من جنس واحد في وقت واحد؛ لأن تأديتهما بمنفعة واحدة، ولا يسع لعملين.

وهذا يرجع إلى أن الإحرام على أصله من أركان الحجّ، والركنان من عبادة لا يتصور تأديهما في حالة واحدة، فكذلك الإحرامان، فلما جاء الشرع به علم أن أحدهما يدخل في الآخر، ولأنه لا تداخل في العبادات، كالصلاتين لا ينوب إحداهما عن الأخرى، وكالأركان لا ينوب بعضها عن بعض كالسجدات (٢) في الصلاة والركعات، وهذا احتراز عن العقوبات كالحدود، والقصاص، والكفارات التي فيها شبهة العقوبة، فإن قلتَ: أليس أن سجدات التلاوات تداخل بعضها في بعض، وهي عبادة.

قلتُ: إن بناءها على التداخل بالإجماع دفعًا للحرج، ألا ترى أن سبب الوجوب يتضاعف من التالي، فإنه كما يتلو يسمع أيضًا، والتلاوة، والسماع سببان لوجوب السجدة، ولا يجب عليه إلا سجدة واحدة بالإجماع، وذلك لأن مثل الحرج الذي يتحقق في حق التالي تتكرر السجدة عند تكرر التلاوة لا يتحقق في غيرها مثل سجدات الصلاة، وطواف العمرة مع الحجّة بمنزلة سجدات الصلاة في أن لا حرج لا كالتلاوة؛ لأن سجدات الصلاة لا تزداد على ما شرعها الله تعالى، ولا حرج في قدر الشروع، وأما التلاوة فتكرر من التالي بأسباب، فيتضاعف الوجوب، فيخرج بتكرر الوجوب، فلا يقاس عليه غيره، كذا في «الأسرار» (٣).

(وبتحريمة واحدة يؤديان).

لما أن التحريمة غير مقصودة، فيجري التداخل فيه، فمعنى ما رواه دخل وقت العمرة في وقت الحجّ على معنى أنه يؤديهما في وقت واحد، فكان هذا ردًا لزعم أهل الجاهلية على ما ذكرنا في (٤) «الأسرار» (٥) في تأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «القران رخصة» (٦).

(فكذا بالاشتغال بالطواف).

أي: بطواف التحية؛ لأن أحدهما طواف التحية، والأخرى طواف العمرة.


(١) انظر مثلاً: خِزانة الفقه (١/ ١٤٠)، البدائع (٢/ ١٦٠)، المسالك (١/ ٣١٧)، فتاوى قاضي خان (١/ ٣٠١)، النتف (١/ ٢٠٦)، البحر العميق (١/ ٣٥٢)، فتح القدير (٢/ ٣٢٠).
(٢) في (ب): السجلات.
(٣) انظر: الأسرار (ص ١٥٢).
(٤) في (ب): من.
(٥) انظر: الأسرار (ص ١١٢).
(٦) سبق تخريجه.