للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(فإذا لم يجد ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحجّ آخرها يوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله) (١).

فإن قلتَ: هل بين الوقتين في حق الصومين، أعني: صوم ثلاثة أيام، وصوم سبعة أيام فرق في حق الجواز؟

قلتُ: نعم، فإنه إذا قدم صوم ثلاثة أيام على هذه الأيام التي ذكرها، وهي الأيام التي آخره يوم عرفة جائز، بعد أن كان ذلك الصوم بعد إحرام العمرة عندنا، وأما صوم سبعة أيام، فلا يجوز (٢).

(معلق بالرجوع) أي: قبل الرجوع من أفعال الحجّ، وهو الرجوع من منًى، فإن قلتَ: من أين وقعت هذه المفارقة؟

قلتُ: من قبل أن (٣) الإضافات أسباب في الحال، والتعليقات ليست بأسباب في الحال حتى أن الرجل إذا حلف، وقال: والله! لا أطلق امرأتي، ثُمَّ قال: أنتِ طالق غدًا، يحنث في الحال، ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق؛ لا يحنث في يمينه حتى يجيء الغد، ثُمَّ هاهنا صوم ثلاثة أيام مذكور في الآية على وجه الإضافة، وصوم سبعة أيام مذكور على وجه التعليق، فإن الله تعالى قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (٤)، وكان صوم ثلاثة أيام نظير صوم المسافر في قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٥)، فإن المسافر إذا صام في سفره قبل أن يدرك عدة من أيام أُخَرَ جاز بل الأفضل، وكذلك إذا قال: لله علي أن أتصدق بدرهم غدًا، فتصدق قبل مجيء الغد خرج عن موجب نذره بخلاف ما إذا قال: إذا جاء غد فتصدق به قبل مجيء الغد؛ فإنه لا يخرج عن موجب نذره، لأن هناك علق النذر بالشرط، والمعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط، وإنما يجوز الأداء بعد وجوب السبب، فالسبب هو النذر، فإذا علقه بالشرط كان معدومًا قبله.

وأما في قوله: (لله عليّ أن أتصدق بدرهم غدًا) (أضاف النذر إلى وقت، والإضافة إلى وقت لا يخرجه من أن يكون سببًا في الحال، فيجوز التعجيل بمنزلة أداء الزكاة قبل كمال الحول). كذا في نوادر صوم «المبسوط»، (٦) وفي «أصول الفقه» (٧) لشمس الأئمة السرخسي -رحمه الله-: في بيان تقسيم السبب قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (٨).


(١) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٨)
(٢) في (ب): تحل.
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٥) سورة البقرة من الآية (١٨٤).
(٦) انظر: المبسوط (٣/ ١٣٠).
(٧) انظر: أصول السرخسي (٢/ ٣١٥).
(٨) سورة البقرة من الآية (١٩٦).