للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلتَ: ما فائدة الفذلكة؟

قلتُ: الواو قد يجيء للإباحة في نحو قولك جالس الحسن وابن سيرين (١)

-رحمه الله-، ألا ترى أنه لو جالسهما جميعًا، أو واحداً منهما كان ممتثلًا، فَفُذلِكَتْ نفيًا لوهم الإباحة.

(وقيل: كاملة أي: في وقوعها بدلًا من الهدي) كذا في «الكشاف» (٢).

(والمراد بالحجّ وقته).

لأن نفسه، أي: نفس الحجّ لا يصلح طرفًا؛ لأنه عبارة/ عن الأفعال، والفعل لا يصلح طرفًا للفعل، وهذا مذهبنا فإن المتمتع إذا لم يجد الهدي له أن يصوم ثلاثة أيام قبل اليوم السابع من ذي الحجّة.

وقال في «الإيضاح» (٣): (ولو صام بعدما أحرم بالعمرة جاز)، وقال الشافعي (٤) -رحمه الله-: "لا يجوز حتى يحرم بالحجّ"، وهذا أيضًا مبني على الأصل الذي ذكرنا، وهو أن الدم عنده وجب جبرًا لما يكون من النقص في سفرة الحجّ، فقيل: الإحرام بالحجّة لا يتحقق البعض (٥)، وعندنا يجب شكرًا لما أصاب من النعمة، بسوائر (٦) التمتع يظهر في حق العمرة؛ لأن الحجّة تقع في وقتها، والكفار كانوا يعدون العمرة في أشهر الحجّ من أكبر الكبائر، فمنَّ الله تعالى علينا، وشرع العمرة في هذا الوقت فظهر أثر التمتع في العمرة، وكان الصوم واجبًا لأجل العمرة، فإذا وجد الإحرام، وهو سبب للأداء جاز.

لأن الصوم يدل على الهدي، فإن قلتَ: جواز أداء البدل إنما يتحقق عند جواز أداء الأصل؛ أن لو كان قادرًا عليه كما في التيمم مع الوضوء، وغيره من الإبدال، ثُمَّ هاهنا لو قدر على الهدي لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، فكيف يجوز أداء الصوم الذي هو بدل عينه قبل يوم النحر فصار هذا بمنزلة أداء الشيخ الفاني الفدية عن صوم رمضان قبل دخول شهر رمضان، وأداء كفارة اليمين قبل توجه البر وانتقاضه، وذلك لا يجوز؛ لأن الأصل [لم] (٧) يتوجه عليه، فكيف يتوجه البدل؟ والأصل المذكور في «أصول الفقه» (٨) أن خطاب الأصل يتوجه عليه، ثُمَّ يتحول إلى التراب للعجز الحالي.


(١) ابن سيرين الإمام أبو بكر محمد بن سيرين البصري، إمام وقته في علوم الدين، تابعي، من أشراف الكتاب، نشأ بزازًا، ثُمَّ تفقه، وروى الحديث، واشتهر بالورع، وتعبير الرؤيا، واستكتبه أنس بن مالك بفارس، له: تعبير الرؤيا، توفي بالبصرة عام (١١٠ هـ).
انظر: حلية الأولياء (٢/ ٢٦٣)، وفيات الأعيان (٤/ ١٨١)، تذكرة الحفاظ (١/ ٧٧).
(٢) انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٤٢).
(٣) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٧٣).
(٤) انظر: المجموع (٧/ ١٨٦)، مغني المحتاج (٢/ ٢٩٠).
(٥) في (ب): النقض.
(٦) في (ب): وأثر.
(٧) أثبته من (ب).
(٨) انظر: أصول السرخسي (١/ ٦٧).